حديث الشارع هذه الأيام.. ارتفاع أسعار السلع والمنتجات بشكل جنوني ومشروع الحكومة لإعادة توزيع الدعم..
ثمة مخاوف من هذا الوضع وما قد تحمله الأيام القادمة، وثمة تساؤلات عن عدم قدرة الحكومة وضع حد لهذا الارتفاع غير المسبوق في الأسعار..
في هذا الحوار يقدم وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور عامر لطفي رؤيته لموضوع ارتفاع الأسعار وسبل المعالجة ويطل علينا أيضاً برؤية الحكومة حول مشروع إعادة توزيع الدعم..
لسنا وحدنا
. نبدأ بالهم الذي يشغل الشارع هذه الأيام وأقصد قضية الأسعار في السوق المحلية وارتفاعها.. وزارة الاقتصاد ومن خلال دراساتها ورؤيتها ما أسباب ارتفاع الأسعار الذي يأتي قبل مشروع إعادة توزيع الدعم الذي طرح للنقاش؟!
.. هناك أكثر من سبب لوجود ارتفاع عام في الأسعار، وقد يكون أحد هذه الأسباب هو كما نقول المواسم (افتتاح المدارس ـ شهر رمضان المبارك..) ولكن هناك أسباب متعددة ومستمرة على مدار العام أو أعطيك مثالاً واضحاً عندما ترتفع أسعار النفط عالمياً تؤثر على أسعار المشتقات النفطية عالمياً وبالتالي تؤثر على أسعار العديد من السلع لأن هذه المادة بأشكالها المختلفة تدخل كعناصر إنتاج في التكلفة، وهناك أسباب أخرى لها علاقة بتغير النمط الاستهلاكي ليس في سورية فحسب وإنما في كل بلدان العالم، وهذا التطور الهائل الذي حصل على مستوى الاتصالات والتكنولوجيا والاقتصاد المعرفي خلق سلعاً جديدة لها صفة الخدمات أكثر منها سلعاً مادية، ومنها سلع مادية طبعاً، دخلت إلى حياتنا الاستهلاكية اليومية دون أن ندري أو دخلت بشكل انسيابي وطبيعي ودون أن نشعر رفعت كثيراً من تكلفة المعيشة وملحقاتها.. وأنا أقول دائماً إن في سورية فجوة تراكمية بين متوسط دخل الفرد والمستوى العام للأسعار عمرها أكثر من عشرين سنة بدأت بتدهور سعر صرف الليرة السورية من 390 قرشاً إلى خمسين ليرة أو أكثر، هذا يشير بحد ذاته إلى انخفاض القوة الشرائية لدخل المواطن إما إن كان ثباتا أو ارتفاعا للاسعار فهذه الفجوة التراكمية زادت من صعوبة معالجة الموضوع وأضيف أمراً آخر عندما تنتقل من نظام اقتصادي له مقوماته وكياناته وأركانه إلى نظام اقتصادي آخر تحصل حالة اسميها من الفراغ، وهذا الفراغ أنت تهدم أركان النظام الاقتصادي السابق بسرعة كبيرة ولكن لا تتمكن وبنفس السرعة من بناء النظام الاقتصادي الجديد، وهنا يولد مرتع خصب لمن يرغب في أن يستفيد من تحقيق معدلات ربح أكثر من طبيعية ريعية خلال هذه الفترة، وهذا يعني جملة من العناصر تضافرت وتواجدت كي نواجه ما يحصل الآن.. هذا من جهة الأسباب الكامنة وراء ارتفاع الأسعار عامة، وإذا قسمت السلع الموجودة في الاقتصاد إلى أنواع مختلفة ترى أن معظم السلع الغذائية ترتبط بعناصر مناخية، فالكل عرف وعلم ماذا حصل بالأمر المناخي خلال العام المنصرم، وهذه نقطة إضافية بحيث لم يعد من الممكن أن تدرس توازن العرض والطلب في سوق دولة واحدة، فأنت في زمن الانفتاح الاقتصادي شئت أم أبيت، أنت عضو في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، عضو في منطقة التجارة الحرة مع تركيا، تبحث مع دول اخرى، تقدمت بطلب انضمام الى منظمة التجارة العالمية.. إذاً أنت أمام حالة تشير إلى أنه من غير الممكن السيطرة على سعر سلعة في اقتصاد واحد، وإنما مضطر للأخذ بأسعار الدول المجاورة وهذا ما يشرح تسرب الكثير من السلع التي نعتبرها في سورية ذات سعر مرتفع إلى الدول التي أسعارها أكثر ارتفاعاً..
. لكن سيادة الوزير.. كان يتوقع أن يؤدي الانفتاح والانضمام إلى التكتلات الاقتصادية إلى خلق منافسة وحالة متوازنة داخل السوق المحلية..؟!
.. صحيح وبلا شك.. ولكن عليك ألا تنسى أن التشابه في الهياكل الاقتصادية لدول المنطقة ماذا يعني؟! يعني أن جميعها تتأثر وتستورد مجموعة من السلع المتشابهة وتصدر أيضاً مجموعة من السلع المتشابهة، وهي كذلك هياكل اقتصادية في نهاية المطاف ليست متينة كي لا أقول ضعيفة وهي ليست متشابكة بقوة كي لا أقول مفككة، وبالتالي تعاني هذه الاقتصاديات من عملية الانفتاح، والذي سيوصلنا إلى ما نتمناه من المنافسة لخلق سعر تعادل وتوازن مقبول ضمن المعطيات الاقتصادية في هذا البلد أو ذاك يستغرق بعض الوقت كي تتمكن هذه الاقتصاديات من إعادة هيكلة ذاتها وتكوين ذاتها، لذلك لا يمكن أن ترى أية دولة مجاورة أو في العالم إلا وتتحدث عن ضرورة قيامها بإصلاحات هيكلية بنيوية من شأنها أن تعزز تنميتها الاقتصادية بحيث تتمكن من الوصول إلى المنافسة العادلة والشريفة التي تنعكس إيجاباً على المواطنين.
. حالياً وزارة الاقتصاد هي التي تحمل مسؤولية ارتفاع الأسعار في السوق.. هل وزارة الاقتصاد هي الجهة المعنية بارتفاع الأسعار فقط؟! هل فعلاً الوزارة فقدت سيطرتها على الأسواق؟!
.. إذا اختزلنا المشكلة بأن تكون هناك عناصر رقابية على هذه السلعة أو تلك فأنا أقول إن هذا الموضوع هو مسؤولية وزارة الاقتصاد والتجارة لكن أشكرك على هذا السؤال لأنك سنحت لي أن أشرح موضوعاً في غاية الأهمية، في كل بلدان العالم المسؤول عن مكافحة التضخم أي الارتفاع في المستوى العام للأسعار هو سياسة حكومية.. لماذا؟!
لكي تكافح التضخم يترتب عليك أن تمتلك أدوات، وهذه الأدوات التي يمكن أن تستخدمها في مكافحة التضخم ليست موجودة بكاملها في يد وزارة الاقتصاد، وإنما هي موزعة على وزارات مختلفة.. النفط فيما له علاقة بدعم المشتقات النفطية، الزراعة فيما له علاقة بدعم المحاصيل والاستراتيجية الزراعية، الصناعة لما له علاقة بمؤسسات القطاع العام، المالية لما له علاقة بالضرائب والرسوم، مصرف سورية المركزي الذي من حيث المبدأ هو الذي يعني محاربة التضخم من زاوية سعر الصرف..الخ ومنها وزارة الاقتصاد، لكن اليوم يشار بالبنان إلى وزارة الاقتصاد لعدم قدرتها على ضبط هذا الموضوع، إنما هذا الموضوع عندما كنا في اقتصاد مغلق، مخطط مركزي، أسعار محددة إدارياً كان يمكن أن يقوم عدد من عناصر الرقابة التموينية، بغض النظر عن فسادهم أو تفانيهم في العمل، بضبط ذلك وعلى الرغم من ذلك لم يظهر الفساد إلا في لحظات الضبط الإداري للأسعار، يعني أصبح هناك فاسد ومفسد أما الآن فأنت في اقتصاد مفتوح يحتوي على عدد هائل من السلع لا يمكنك معها أن تلجأ إلى التسعير الإداري، فعلينا أن نتابع بسرعة كبيرة لكي تتمكن الجهات المختلفة من محاربة الارتفاع في المستوى العام للأسعار وليس فقط وزارة الاقتصاد، وأتمنى ألا يفهم هذا أنني أتنصل من مسؤوليات وزارة الاقتصاد في متابعة الموضوع.. فهناك سياسة نقدية يتم تبنيها من أجل محاربة التضخم، سياسة نقدية تقشفية وليس توسعية، هناك سياسة مالية لضبط الضرائب والرسوم وكل ما له علاقة بالإنفاق الاستهلاكي.. وأدوات أخرى مختلفة يجب أن نتعاون جميعاً.. وهذا يطرح سؤالاً لماذا لا تقومون أنتم على المستوى الحكومي في تكامل هذه الأدوات؟! والجواب عنه يوصلني إلى الإجابة عن سؤالك الذي قلت إنك ستطرحه والمتعلق بالتشريعات الناظمة للسوق وهنا أقول: لأننا لم ننته بعد من استكمال حزمة التشريعات.. أعطيك مثالاً: أنا سعيد جداً هذه الأيام لأنني تمكنت من تحرير قانون سلامة الغذاء الذي أصبح في مجلس الشعب والذي سيرافقه تشكيل هيئة وطنية لسلامة الغذاء، والانتهاء منذ اسبوع من قانون حماية المستهلك والذي سيذهب إلى مجلس الشعب، كما أننا نتمنى أن ننتهي خلال اسبوع من الملاحظات التي جاءت على مشروع قانون منع الاحتكار والمنافسة وسيذهب أيضاً إلى مجلس الشعب، والآن في مجلس الشعب انتهيت من مناقشة قانون التجارة في لجنة التخطيط والدستور وسأبدأ بمناقشة قانون الشركات.. إذاً هناك خمسة إلى ستة مشاريع قانونية إضافة إلى المشاريع الأخرى التي نعمل عليها ستصدر قريباً، ولذلك وجواباً عن سؤالك أقول إنه من الأدوات التي نفتقدها الآن هو أنه لم نتمكن بعد من بناء أركان النظام الاقتصادي الجديد الذي سيساعدنا ويدعمنا في عملية مكافحة ارتفاع الأسعار.
وسط المعمعة
. هذه الأدوات التي تحدثت عنها.. هل يحدث بين الجهات العامة المعنية بها تنسيق وتكامل بين بعضا بعضاً؟!
.. لا أخفيك سراً أننا الآن نحن في وسط المعمعة التي نعمل عليها لإصلاح مصرفي نقدي، ولم ننته من هذا الإصلاح أو بمعنى آخر لم تنضج بعد تلك المؤسسات النقدية والمصرفية من جهة والمالية من جهة أخرى والتجارية من جهة ثالثة إلى درجة تسمح لنا باستخدام أدوات متينة لاستخدام التضخم ولتحقيق درجة عالية من التنسيق..
وبمثال بسيط أقول إنه عندما نطلب في اجتماع من جهة معنية تمثل هذه السياسات القيام بأمر ما يجيب بأنه لا يمكنه لأن التشريع الخاص لم يصدر بعد..
اتهم
. التشريعات المهمة التي تحدثت عنها هي موضع اتهام لجهة التأخر في استكمال صدورها.. بصراحة هل هناك جهات تعرقل إصدار هذه التشريعات؟!
..لا يمكنني أن أتهم جهة بعينها أنها عرقلت صدور التشريعات، لكني أتهم آلية عمل لم نتمكن بعد من الخروج منها لتبني آلية أكثر ديناميكية وهذا الأمر ليس بالموضوع السهل، لأن من يشرف على آلية ما هو الإنسان الذي له ذهنية معينة تبلورت على مدى عقود من الزمن، فمن الصعوبة بمكان أن تجعل هذا الإنسان وبسرعة كبيرة يتبنى آلية أكثر ديناميكية..
وأنا لا أوجه الاتهام بل ما أقوله إنه خلال سنة ونصف سنة من وجودي في هذه الوزارة تمكنت من تقديم 12 مشروع قانون جاهز، لكن يجب أن تناقش هذه المشاريع في الجهات المختلفة، وحتى عندما تم مناقشتها لدى هذه الجهات فليس من الضروري أن كل ما جاء من اقتراحات وآراء كنت مؤمناً بها، ولكن على الأغلب كان هناك اتفاق عام على خروج هذه القوانين إلى حيز الوجود كي نتمكن من الاستفادة من مفاعيله.
. ما دمت قلت إن الأدوات الرئيسة لمواجهة التضخم لم تتكامل مع بعضها، فكيف تم طرح مشروع إعادة توزيع الدعم الذي يقوم على تحريك أسعار المشتقات النفطية وبالتالي من الطبيعي أن يتحرك التضخم ارتفاعاً.. وهل صحيحاً أن المعدل سيرتفع فقط 5% تقريباً للتضخم؟!
.. قبل أن أجيب عن هذا السؤال أرغب بالإشارة إلى نقطة هامة وهي أن غياب تكاملية هذه الأدوات والتنسيق المطلوب تطرأ للأسباب الموضوعة التي ذكرتها لا يعني أننا لم نتحرك، وأشير إلى الجهود الكبيرة التي بذلت في حماية المستهلك من إعداد جيد للكوادر، معاقبة واستبعاد المخالفين، ترتيبات من حيث الشكل والمضمون، وعلى التوازي ذكرت أكثر من مرة عدد الضبوط الهائلة التي لم تردع للأسف الشديد كما كنا نتمنى المخالفين، وقلت في مناسبات مختلفة إن هذه الضبوط لم تأت نتيجة شكاوى المواطنين (ونسبتها فقط 3 ـ 4 %) ولم تنضج كذلك جمعيات المستهلك وهي جزء من الأدوات الهامة، بالمقابل قمنا بالتدخل الإيجابي ضمن إمكانيات المؤسسات المعنية والتي لا تحل المشكلة كاملة إنما تساهم مساهمة جزئية (الخزن والتسويق ـ الاستهلاكية).. وأنا أقول أن هذا التدخل لا يحل المشكلة وإنما يساهم بذلك..
أعود إلى السؤال الذي طرحته حول موضوع الدعم، علينا أن نتفق في البداية حول بعض المفاهيم.. علينا أن نتفق هل الجميع مرتاح لآلية الدعم القائمة حالياً والتي تقول ان أصحاب الدخول المرتفعة يحصلون على 56 ضعفاً من الدعم مقارنة بأصحاب الدخول المنخفضة بالنسبة لمادة المازوت؟!.. الجواب منطقي طبعاً نحن غير راضين عن هذه الطريقة من الدعم..
هل هناك رضا عن هذه الطريقة التي يذهب بموجبها جزء من هذا الدعم إلى دول الجوار والأجانب الذين يأتون لبلادنا ولو مروراً «ترانزيت»؟! الجواب المنطقي.. لا لسنا راضين..
إذاً يحق لنا كحكومة أن نستجيب إلى عدم الرضا عن هذا الوضع المتعلق بالدعم لكي نعيد النظر فيه وليس بقصد الإلغاء إطلاقاً، أنا مؤمن إيماناً كبيراً بأنه إذا كان الهدف العام من الدعم هو تحقيق الجانب الاجتماعي من اقتصاد السوق فنحن مؤيدون لاستمرار الدعم في اقتصاد السوق، ولكن معروف أن الدعم يؤدي إلى تشوه الأسعار وخلل في التوازنات الاقتصادية ويستنزف المالية العامة مع عدم الرضا عن طريقته، وهذا يعني أن الحكومات يجيب أن تناقش موضوع استمرار الدعم في الاقتصاد وإنما بصيغة وآلية جديدة تقلل بأكبر قدر ممكن التشوه الذي يحدثه الدعم في الحسابات القومية والحسابات الاقتصادية الكلية ويساهم في أعلى درجة لإعادة توزيع الدخل بشكل يحقق أعلى درجة من العدالة..
إذاً السبب الكامن في مناقشة الحكومة لهذا الموضوع هو سبب وجيه وأنها تحاول إعادة دراسة موضوع الدعم بطريقة أمثل لتقلل من استنزاف المالية العامة وتحقق درجة أعلى من العدالة الاجتماعية.. وعلى ذلك فلمن يجتهد ثواب ويحاول أن يقدم سيناريوهات ولا يتخذ القرار إلا بعد دراسة هذه السيناريوهات من كل الجهات المعنية لتقديم آراء يمكن أن تصوب رأي هذه الحكومة أو الفريق وليكون القرار في النهاية يحقق أقل ضرر ممكن وأكثر فائدة ممكنة، وأحب أن أقول عبارة انه لا وجود لقرار اقتصادي بمنعكسات إيجابية فقط، فلكل قرار اقتصادي منعكسات إيجابية وأخرى سلبية، والقرار السليم هو تبني السيناريو الذي يحقق أكبر قدر من المنعكسات الإيجابية وأقل قدر من المنعكسات السلبية.. لماذا؟! لأن الاقتصاد هو عبارة عن تضارب مصالح مراكز القوى الحكومية لهذا الاقتصاد، هناك تضارب مصالح المنتجين والمستهلكين، المستوردين والمنتجين، المصدرين و... الخ، وبالتالي إيجاد الحل التوفيقي لمصالح هذه الفئات المتضاربة على المستوى الاقتصادي هو بالأمر الصعب، ولكن الاجتهاد بهذا الاتجاه يعتبر أمراً جيداً.
هو رأي
. أي ان ما يطرح حالياً هو سيناريو أو اقتراح وليس قراراً؟!
.. ما طرح هو رأي.. النقطة الأساس أن المؤتمر القطري العاشر اتخذ القرار بالانتقال من الاقتصاد التخطيطي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي بشكل متدرج، وهذا يعني أن هناك خطأ أحمر لجهة اللجوء للمعالجة بطريقة الصدمة فهذا مرفوض ونحن لن نلجأ إلى الصدمة بل إلى التدرج، ومن هنا فإننا سنناقش موضوع إعادة توزيع الدعم بشكل متدرج لنصل بعد سنوات إلى حالة توازن في الاقتصاد ونكون قد حررنا هذه الصيغة القديمة للدعم وأوجدنا صيغة جديدة للدعم تخفف من تشوهات الاقتصاد الكلي..
. من يؤيد مشروع الحكومة حول إعادة توزيع الدعم يعترض على الجزء المتعلق بالتعويض المالي المطروح والذي هو بحدود 12 ألف ليرة لكل عائلة وكذلك حجم التأثيرات المتوقعة التي تفوق برأيهم توقعات الحكومة..؟!
.. أنا أنوه دوماً.. أن هذه الطريقة في الحساب هي اقتصادية بمعنى أنها ميكانيكية حسابية، لا تأخذ بعين الاعتبار ما يدعى بالتوقعات العقلانية التي يؤسس عليها الناس بشرائحهم المختلفة، وهنا يختلف القرار الذي يصدر عن هذه الشرائح لا تأخذ بعين الاعتبار توقعات هذه الشرائح وبالتالي تبني سلوكيات من شأنها أن تؤدي إلى تضاعف وارتفاع أكبر مما هو مدروس في الطريقة الميكانيكية الاقتصادية.
هذا الأمر فيما لو تم اللجوء إليه نقول إن الحسابات الميكانيكية الاقتصادية أشارت إلى هذه النسبة 9،4% أو 5% والتي ستأتي زيادة على معدل التضخم الذي هو أصلاً بات مرتفعاً مقارنة بالسنوات السابقة، أوالخشية من التوقعات العقلانية المتشائمة التي تضرب بهذه الحسابات ونتائجها عرض الحائط، فتأتي ارتفاعات أكثر من تناسبية والسؤال الذي نطرحه على أنفسنا، هذا جزء من المشكلة التي نناقشها باستمرار من أجل أن تتوضح الصورة بشكل أفضل.. ما هي التدابير والإجراءات الواجب اتخاذها لضبط أو لمنع حصول هذه الارتدادات السعرية أكثر من تناسبية على وضع الأسواق والمستوى العام للأسعار؟
هنا توجد صعوبة بالغة في عملية البحث عن هذه الادوات وما هي التدابير والاجراءات الواجب اتخاذها، وهذا ما يؤخرنا حتى هذه اللحظة كي نستفيد من آراء الجميع سواء من هو داخل الحكومة او خارجها، خبراء او ليسوا بخبراء، ولسنتفيد من التوقعات العقلانية للناس ومن الآراء النظرية والعملية وقد تكون هناك سيناريوهات اخرى.. العقل الحكومي مفتوح للاستماع الى سيناريوهات اخرى فيما لو كان من شأنها اعطاء نتائج افضل، اي لا يوجد بشكل مسبق قرار متخذ على الاطلاق، هناك قرار واحد متخذ هو عدم الاستمرار بالصيغة القائمة للدعم والبحث عن صيغة اخرى اكثر جدوى، وانا سعيد بهذا الحراك على الصعيد الاعلامي والنقاش الدائر وما اتمناه ان يتم تغليب النقد الموضوعي وتقديم الاراء التي نستفيد منها على النقد الذاتي ونقد الاشخاص وهذا امر غيري منطقي وغير علمي وغير موضوعي وبين قوسين احيانا غير اخلاقي.
البديل
. المعارضون للمشروع برمته يرون ان ذلك سوف يجعل الاقتصاد ومن مجمل تأثيرات اعادة النظر بالدعم اقتصاداً ذا طاقة غير رخيصة مقارنة بالدول الاخرى.. هل فعلاً تحريك اسعار المشتقات سيفقد الاقتصاد الوطني ميزة الطاقة الرخيصة.؟
.. ارجو الانتباه الى قضية مهمة، فهذا الكلام الذي سميته بكلام المعارضين.. ما هو البديل الذي يطرحونه؟ هل يطرحون الاستمرار في الوضع الراهن ونحن اتفقنا في بداية الحوار اننا كلنا نرفض الاستمرار في الوضع الراهن.
ان تنتقد سيناريو قدمه شخص او مجموعة او حكومة دون ان تقدم بديلا افضل فهذا نصف اجتهاد ونحن نتمنى ان يكون الاجتهاد كاملاً، وانا ذكرت ان الموضوع سيكون متدرجاً.. ماذا يعني هذا الامر؟
يعني لو وضعنا جدولاً زمنياً لاربع او خمس سنوات فانني امتلك ساحة اكبر من الغد واذا كانت المعالجة ستمتد من اربع الى خمس سنوات فهذا يعني انني امتلك هامشاً اكبر لتطبيق المبادرة وتلافي المنعكسات السلبية التي قد تضغط على هذه المبادرة، قد اتوقف بعد عام او عامين.
اذا كان هناك منعكسات سلبية ولابحث بذلك عن سيناريو افضل، لكني لن اعود الى الصيغة القائمة حالياً.
ارجو ان يفهم هذا الموضوع على انه موضوع مفتوح للجميع.. ان يقترحوا ان يناقشوا، اوقفونا عندما تشعرون اننا قد اخطأنا، صوبنا اذا ذهبنا باتجاه غير سليم.. نحن لسنا حكومة من خارج سورية، نحن من ابناء سورية، كلنا نحب الوطن.. ومن يعارضنا يحب الوطن ومن يطرح سؤاله في الشارع يحب الوطن ونحن ايضا نحب الوطن، ونحن في هذا الموقع مطالبون بتقديم حلول اجتهدنا في تقديم سيناريو ولا نزال نناقش سيناريوهات اخرى وننتظر مناقشات وانتقادات وطروحات وبدائل اخرى لنخرج في نهاية المطاف بقرار لصالح الوطن.
والقرار لن يسجل لهذا الشخص او ذاك بل نتاج لمجموعة من النقاشات وعند التطبيق من منطلق ان المنعكسات الايجابية اكثر والسلبية اقل وجدنا ان هذا الكلام غير دقيق فيعاد النظر ونناقش من جديد، ونحاول ان نضبط الامور.
. في هذا الاطار ما طرح من آراء ووجهات نظر هل وجدتم فيه من نقاط مفيدة ما كنتم تتوقعونه؟
.. دون ادنى شك انا احترم اي رأي يصدر عن انسان، واي رأي يعبر عن خشية او خوف فهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان قلب هذا الرأي وهذا الانسان هو على وطنه واقتصاده. قد اختلف معه في آلية التفكير والطرح، ولكن يجب ان نحترم بعضنا البعض.
لا نطبق الا
. لكن البعض قال ان ما تنفذه الحكومة هو تطبيق البرنامج في البنك الدولي بشكل غير معلن؟
.. سبق أن اكدت ان البنك لا برنامج له في سورية، ونحن نتعامل مع البنك كعضو مؤسس وندفع اشتراكاتنا ويجب علينا ان نستفيد من امكانيات هذا البنك دون ان يؤثر ذلك على سيادتنا الوطنية وكل ما حدث خلال السنوات السابقة هو توقيع مذكرة تفاهم يقدم بموجبها البنك الدولي وخبراؤه دراسات بعينها بعد اخذ رأي مجموعة من الوزارات وقدموا لنا تلك الدراسات ونحن احرار بتطبيقها او عدم تطبيقها.. او زيادة بعض النقاط عليها او شطب نقاط اخرى.
. اذا لم تقدم اقتراحات افضل من سيناريو الحكومة المقترح حالياً.. هل هذا معناه ان الحكومة ستطبق هذا السيناريو كما اعلن؟
.. بعد ان يأخذ رأي جميع الجهات ذات الصلة واقصد بها مراكز القوى في الاقتصاد عليها ان تطلع على المشروع وتناقشه وتلجأ الى التعديل عند الحاجة، فالسيناريو المعد ليس مقدساً وهو من صنع ايدينا يمكن ان نعدل ونغير وفي نهاية المطاف اذا لم تكن هناك اضافات فليصدر هذا السيناريو ونرى ما سيترتب عليه ونحاول ان نعدل لما يزيد من الانعكاسات الايجابية.
. هناك من يطرح فكرة ان المشروع كان يجب ان يطرح عندما يتم استكمال اصدار التشريعات الناظمة والمؤسسة لاقتصاد السوق الاجتماعي وليس الآن؟
.. اذا رغبنا ان ننتظر التشريعات فهذا سوف يستغرق مدة زمنية قد تصل الى نهاية الخطة الخمسية العاشرة 2010 المشكلة في الارقام التي تشكل الضوء الاحمر في عيوننا فيما يخص استنزاف المالية العامة وبالتالي نحن امام مفارقة ان ننتظر استكمال التشريعات وبناء مكونات اقتصاد السوق الاجتماعي ومن ثم نلجأ الى الموضوع المذكور في تلك اللحظة ستكون الكارثة على المستوى المالي في سورية وسوف نحاسب حساباً عسيراً لاننا لم نأخذ بمواجهة المشكلة وليس في التوقيت المناسب لاننا متأخرون والمفارقة انه يجب ان نتخذ القرار لان الالغاء استمرارية استنزاف المالية العامة نجبر على تسريع استكمال بناء اقتصاد السوق. لذلك فهذا هو استحقاق تاريخي على الحكومة.
ذكي وواع
. قلت لي انك لاتخاف من المواطن.. هل لان المواطن السوري ذكي كما قال رئيس الوزراء والنائب الاقتصادي ام لانه يقال ان هذا المواطن يرضى بما يفرض عليه؟
.. لا انا اضيف على ما قاله رئيس الوزراء والنائب الاقتصادي لاقول ان هذا المواطن ليس ذكياً فقط انما ايضا واع وهكذا قرارات استراتيجية تفترض من المواطنين ان يكونوا على درجة عالية من الوعي وانا مؤمن بالمواطن السوري وانا اصلاً واحد من المواطنين فكيف لا اؤمن بوعي هذا المواطن وبالتالي سيتفهم ان قراراً كهذا يجب ان يتخذ، لكن اتمنى من كافة الشرائح التي تمثل هذا المواطن ان تتعامل بتوقعات عقلانية متفائلة ومؤيدة بالعمل الحكومي.
. ليس من باب الحديث عن التفاوت الطبقي لكن البعض علق ايضا على المشروع بالقول ان جميع المواطنين لديهم حقوق في الموازنة العامة وبالتالي لا يتوجب الحديث عن استفادة الفقير وذي الدخل المحدود دون الغني.
هل ترى ان الدعم يجب ان يستفيد منه كل مواطن بغض النظر عن الحاجة؟
.. من حيث المبدأ ووجهة نظري الخاصة يجب ان تكون الفائدة اكبر بكثير لشرائح اصحاب الدخل المنخفض لست العشيرات الاولى، لكن كي نتمكن من تطبيق هذا التصور لا بد ان نمتلك الدراسة الحقيقية التي تترجم هذا التقسيم لكي نتمكن من التوجه اليه، ففي السنة الاولى التوزيع سيكون عاماً وانا لست مؤمناً بان العدالة في التوزيع تكون تبعاً لمستوى المواطن وامكاناته المادية بل انا مؤمن بان العدالة تتحقق عندما ارفع مستوى دخل المواطن المتدني لتتقارب اذ ان التفاوت بين الدخول بات كبيراً لدرجة مزعجة، لكن لاتملك الادارة في السنة الاولى وهناك دراسة تستكمل ونأمل ان تكون بين ايدينا وتساعدنا على ايصال هذا الدعم لمستحقيه بدرجة اعلى من العدالة من وجهة نظري.
. كان هناك نقد وهجوم على بعض الشخصيات التي حملت المسؤولية عن هذا القرار؟
. هو عمل جماعي..
.. واذا تعرضت لهجوم؟
.. اذا كان الهجوم من داخل بلدي فهو مقبول وانا لا اقبل بالهجوم من اعداء بلدي، واول من يهاجمني اهلي، لانهم من اصحاب شرائح الدخل المنخفض والمحدود، وليس هناك في اسرتي اي فرد من اصحاب الدخل المتغير.
. عندما فتحت الموضوع مع عائلتك هل شعرت بقناعة لديهم؟
.. اولاً هم الذين فتحوا الموضوع معي.. وبصعوبة بالغة تمكنت من ان اطمئن افراد اسرتي ان هذا العمل هو للصالح العام ولم اقل يوماً ان المهمة سهلة ويمكن تمريرها وما اتمناه ان نتعاون لتعزيز الجانب الايجابي في القرار.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية