أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المخرج الأخير لجبهة النصرة.. وأخواتها*

يشاع اليوم، عن نوايا "هيئة تحرير الشام" حل نفسها

هامش رقم 1: ترى لماذا يتم قتل قادة العصابات والتنظيمات المخرّبة بغالب الأحايين، ولا يترك للمتأذين وأولياء الدم وأصحاب الحقوق، المجال، ليقتصوا أو ليسمعوا شهادات الجناة، عبر محاكم عادلة.

ربما الإجابة، لأن دور هؤلاء القادة الوظيفي -وليس قواعدهم المغيبة- ينتهي، ولابد من دفن تلك الصناديق السوداء، لئلا تتكشف معلومات تذهل العالم، بحقيقة الدول الديمقراطية ورعاة الحرية، الذين أسسوا وصنعوا وموّلوا، قبل أن يلاحقوا ويقتلوا أسرارهم بدفن هؤلاء العملاء، أو نقلهم بهيئات وأدوار مختلفة، إلى مناطق أخرى ومهام جديدة.

هامش رقم 2: أيقظني هاتف عصر أمس السبت، لرجل "إدلبي" أبسط ما يقال فيه أنه وطني وأخلاقي ومن رعيل الثوار الأوائل، يزف لي فرحاً، خبر قصف الولايات المتحدة "التحالف الدولي" لمن وصفهم سرّاق الثورة وحلم الشعب، آملاً أن يكون بذلك بداية تعبّر عن الشعب السوري وطموحاته بدولة لا يشوبها الجلد الكيدي ولا رجم من ينادي بالحرية وزوال المستبدين.

فعلاً "إنها السياسة ياغبي" والغبي من يعتقد، أو كان يعتقد، أن "الفصائل الراديكالية" تعمل بارتجال أو جاءت لنصرة ثورة السوريين وإعلاء كلمتي الحق والدين.

فلكل منها، بحسب ما كان يشك به وما بدأ يتكشف تباعاً، خطة وهدف، رسمها الصانع والمموّل حينما ظهرت على الأرض السورية، وتحولت الأهداف وتبدل بعضها، نتيجة التكتيكات اللاحقة، سواء ممن هم وراء "المتأسلمين" إن كانوا دولا أو مخابرات، أو حتى من قادة التنظيمات أنفسهم، بعد أن استشفوا تبدّل اللعبة، وصار من ضرورة البقاء، اقتسام ولو فتاتاَ، من كعكة ما خربوه أو ساهموا بتدميره.

لو سقنا مثالاً "جبهة النصرة" التي تحولت لهيئة تحرير الشام لضرورات دولية "تغيير الاسم وفك الارتباط بالقاعدة"، وما توّلد عنها وفرخّته، من أنصار التوحيد وحراس الدين وغيرهما، لحاجات وتكتيكات محلية "تفاهمات وتحالفات والتحوّل من التشدد إلى القبول"، لرأينا ودونما إطالة وإعادة ما حفظه السوريون عن ظهر قلب، أن "النصرة" اليوم ليست وبالمطلق ما كانت عليه سابقاً، وعلى الصعد والمستويات جميعها.
ولو بحث السوريون، عن دور "النصرة" ضمن معارك الأسد-بوتين، على إدلب أخيراً، لرأوا وبقليل جهد، أن نسبة مشاركتها، لا يزيد عن 30% من قواتها وعتادها "وفق تصريح للمتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير مصطفى سيجري وليس اختراعاً من بنات أفكاري" رغم أن هذه المعارك بمثابة "نكون أو لا نكون"، إذ ليس بعد إدلب من جغرافيا محررة، يمكن لأي أحد أن يقايض عليها ويرمي بمن معه عبر الباصات الخضر، إلى مزيد مجاهيل ومعارك ووعود ووعيد.

وسيستنتج الذي يبحث من السوريين، أيضاً بقليل عناء، أن ثمة خط رجعة تحضّر له "النصرة وربما غيرها" بعد أن بلغت التفاهمات الدولية، إلى ما فوق طاقاتها وتأثيرها، ولو عبر التخريب وجلد السوريين والوعيد بنقل المعارك إلى أراضي ونفوذ الآخرين.

بمعنى بسيط ومبسّط، لا ترى تلك التنظيمات، أو أكبرها، في كل ما يجري من مخاطر، على الجغرافيا والثورة وحلم السوريين، معركتها الأخيرة، بل ثمة مقايضات بدأت تعد نفسها لها وتروّض مع من مازال يؤمن حتى بوجودها، لتقبلها.

وبمعنى ثان، يمكن لمن يهمهم الأمر والدراسة من السوريين، أن يلحظوا، قدرة وقوة "النصرة" وارتباطاتها، على "الوعي السياسي" واستشفاف التبدلات، واستعدادها اللامحدود للتبدل، لتتفرد بالساحة، أو تكون المفاوض الأكبر، أو ربما أحد المفاوضين على طاولة "الحل" واقتسام الغنائم.

وربما الأمثلة هنا، أكثر من أن تعد، ابتداء من تبديل الاسم والمرجعية، مروراً بمناورة عسكرية وسياسية لتقوية أوراق التفاوض قبل أي طارئ وتحوّل. وذلك بعد اتفاق سوتشي في أيلول/سبتمبر 2018، والذي وصل لضرب "حلفاء تركيا" ما ترك أسئلة معلقة وغامضة وقتذاك، بدأت-الأجوبة -تتجلى تباعاً اليوم ـ وصولاً لما يشاع اليوم، عن نوايا "هيئة تحرير الشام" حل نفسها، بل وحل من أوجدتهم كأجنحة ومتممات ولزوميات، كحكومة الإنقاذ والمجالس المحلية والمحاكم الشرعية.

ولكن، بعلم السياسة والاستقواء ووفق طول الأذرع النارية، لكل شيء ثمن، ولابد أن ثمة جديدا، من أطوار وأدوار، ستحصّلها "النصرة" أو ستوكل لها. فـ"النصرة" لم تمت بعد، لكنها رأت "داعش" كيف مات، ولابد من دور وإن "مدني ديمقراطي وعلماني" بمشروع التفاهمات العتيدة، بصرف النظر عن المسيطر...حتى ولو كان نظام الأسد.

فهنا يوجد معابر تبيض ذهباً وهنا توجد حدود طويلة مع تركيا...وهنا وتحت أقدام "النصرة" توجد جغرافيا يمكن أن تعيق أي مخطط دولي، حتى وإن كان تقسيم سوريا وتوزيع الحصص على الكبار والمحتلين.

نهاية القول وبالعودة إلى قصف طائرات ال"اف 16" الأمريكية عصر أمس، تجمعاً أو اجتماعاً لـ"النصرة" أو أحد الفصائل المنشقة عنها، شمالي شرق إدلب، ففي ذلك وعلى الأقل.. احتمالان اثنان.

الأول، أن ثمة من يعيق، أو ربما يعيق الدور الجديد للنصرة، خاصة بعد "الهدنة الأسدية المؤقتة" وفق الطلب الروسي التركي، لتحل "هيئة تحرير الشام" نفسها ويوكل لها الدور الجديد. وربما "حراس الدين" أو سواهم ممن تم قصفهم أمس، من هؤلاء المعيقين.

وأما الاحتمال الآخر، أن يكون القصف قد طاول قادة الهيئة أنفسهم، وفي ذلك أيضاً احتمالين.

أولهما أن ثمة "شدة أذن" للهيئة لأنها تقاعست أو تماطلت أو رفعت، حتى من سقف مطالبها قبل حل نفسها وقبول الدور الجديد، ما استدعى تدخل "واشنطن" لمناطق النفوذ التركي والروسي، لترسل بنفسها تلك الرسالة.

أو الاحتمال الآخر، أن ثمة انتهاء كامل لتلك الأدوار الوظيفية التي اتفق العالم بأسره على تسخير من يقوم بها، فالوقت والتداخل، لم تعد تتيحان مزيدا من التخريب عبر أدوات محلية ومستوردة، ولابد من نقل "القادة الموظفين" إلى أماكن أخرى، ودفن من تبعهم ووالاهم على أرض باتت تعرّي جميع المتآمرين على حلم السوريين، وأضحت "لململة الأوساخ" ضرورة، لن تنتظرها شمس الحقيقة، لتشرق أو تغيب.

بشتى الأحوال ووفق جميع الاحتمالات القابلة للمنطق والواقع أو تجافيهما، ثمة حقيقة واحدة على الأرض السورية، مفادها وبمنتهى الاختصار، أن تلك الحرب العدمية التي نفذها "الكبار" عبر وسطاء، مرة بلحية وجلبان ومرة ببزة وربطة عنق، قد شوهت من منطلق وغاية السوريين، ووضعت حلمهم بمهب رياح الأقوياء، الذي يفصلونه وفق المصالح وتبادل الأدوار.

*عدنان عبد الرزاق - من "كتاب زمان الوصل"
(242)    هل أعجبتك المقالة (233)

سالم

2019-09-02

أحسنت منشور عالمي بامتياز صحيح.


2019-09-02

ذكي العين تطرئك شو ذكي انا ضد الراديكالية ولكني ضد ركوب الأمواج والتنطع أيضا.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي