أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

البوابة السورية... مزن مرشد*

بعض مما فعله الروس بالسوريين - جيتي

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تراجع الدور الروسي عالمياً بشكل ملحوظ فلم تعد لروسيا المكانة التي شغلتها في السابق كلاعب سياسي رئيسي في كل ما شهده القرن الماضي من أحداث سياسية كبرى.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء بمن فيهم الروس في الحرب احتلت روسيا والتي كانت آنذاك الاتحاد السوفيتي موقعاً متميزاً في خارطة السياسة العالمية وكانت من الخمسة أصحاب حق النقض في مجلس الأمن، والذي احتفظت به موسكو بعد نهاية الاتحاد.
بالرغم من احتفاظها بمقعدها بين الخمسة الأوائل إلا أن روسيا عانت بسبب تفكك الاتحاد اقتصادياً ودخلت في مرحلة سياسية أفقدتها قدرتها عن التأثير العالمي الذي كانت جزءاً أساسياً منه طيلة عقود.

في زمن الحرب الباردة لم يعرف العالم سوى قطبين اثنين لا ثالث لهما، الاتحاد السوفيتي وأمريكا، وهذا ما كان يشكل توازناً حربياً استراتيجياً في العالم، وإن لم يحصل أي مواجهة عسكرية بين البلدين أو بين الدول التي يدعمانها ويسلحانها، كانت الفترة أشبه بلعبة شد الحبل والبلدين استفادا من سباق التسلح في العالم أجمع.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أصحبت روسيا الاتحادية دولة عادية مثلها مثل باقي الدول الخارجة من الاتحاد، ضعيفة وتصطف في مصاف الدول الفتية بالرغم من عدم اقتناع قياداتها بهذه الحقيقة، إذ حاول بوريس يلتسن الرئيس الأول للدولة بعد الاستقلال، أن ينهض بدولته ولكنه اختار طريقاً كاد أن يوصل البلد إلى حرب أهلية في عام 1993، وانتهج نهجاً اقتصادياً أوصلها إلى حالة غير مسبوقة من التردي عندما أطلق ما أسماه العلاج بالصدمة، وهي خطة أطلقها رئيس وزرائه آنذاك إيغور غيدار، لتحويل روسيا من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق، خلال مئة يوم فقط، وما تزال البلد تعاني من نتائجها الكارثية حتى اليوم.

بالرغم من التعددية الحزبية وإجراء الانتخابات العامة في روسيا إلا أن الأمر لا يعني أن النظام السياسي الروسي قد أصبح نظاماً ديمقراطياً، ولا يخفي ذلك حقيقة أن السلطة ما زالت تتسم بالفردية والاستبدادية، وفق محللين روس، فلا يشعر الروس بأن شيئا كثيرا قد تغير جوهريا في العديد من القضايا الرئيسية بعد رحيل يلتسين، فبصرف النظر عن الشعبية التي يتمتع بها الرئيس بوتين، يرى خبراء في الشأن الروسي أن روسيا الاتحادية ما زالت تسير على "النهج السوفياتي للبناء القومي، بدلا من بناء دولة ككيان سياسي موحد، وهو ما يؤدي وفقا لما يؤكده مدير معهد الإستراتيجية الوطنية الروسي ميخائيل ريميزوف- إلى "بناء دولة متعددة القوميات".

 ويضيف في تقرير نشره موقع "روسيا وراء العناوين" منتصف عام 2015 "إذا كنا نتحدث عن كثرة القوميات داخل البلاد، فإن هذا يعني أن البلاد تتشكل من كيانات تمتلك الحق بتحديد مصيرها، وما يترتب على ذلك من اعتبارات..".

 وهو ما يعني أن روسيا تعاني من المشاكل الداخلية ذاتها التي عصفت بالاتحاد السوفياتي السابق، الذي فشل في حل مسألة القوميات، لكن فضاء الاتحاد السوفياتي كان أقدر على تحمل واحتواء التناقضات القومية، التي تشكل نقطة الضعف الأكبر في النظام السياسي الروسي.

في فكرة أكثر جرأة، يلفت رئيس مؤسسة "سياسة بطرسبورغ"، ميخائيل فينوغرادوف، إلى أن "روسيا تبدو وكأنها تخجل من دولتها الحالية، وتحاول تقويتها باعتبارها وريثة الاتحاد السوفياتي بشكل من الأشكال، وهذا ما جعلها تحاول دوماً أن تظهر بمظهر القوة التي اعتاد العالم على رؤيتها فيه لكن محاولتها كانت دائماً تبوء بالفشل بالرغم من كل شيء.

في عام 2014 وإثر الأزمة مع أوكرانيا وضم جزيرة القرم، استُبعدت روسيا عن قمم الـ"G8"، وبقيت سبعة دول فقط في هذه القمة كأقوى سبعة دول في العالم.

في سبتمبر 2015 اقتنصت روسيا فرصة الحرب السورية فتدخلت عسكرياً وبقوة لتقف في صف بشار الأسد، واستمرت بدعم النظام بكامل عتادها العسكري والتقني واللوجستي جاعلة كل طرق الحل في سوريا لا تمر إلا عبرها.

استشعر بوتين أهمية الصراع السوري وتأثيره الكبير في الساحة السياسية العالمية، فوجد بهذا التدخل بوابته الواسعة لعودة بلاده كلاعب رئيسي ومحوري فاعل ومؤثر بالأحداث، مرافقاً حملته العسكرية بتحركات سياسية ودبلوماسية أعاد من خلالها رأب ما تصدع من علاقاته مع دول العالم من إسرائيل حتى تركيا وأمريكا ودول أوروبا الكبرى، وحتى إيران رغم الصراع الخفي على النفوذ في سوريا.

منذ أيامٍ قليلة وعلى هامش اجتماع مجموعة (G7) في مدينة بياريتز الفرنسية، يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اقتراحه بدعوة روسيا للعودة إلى القمة مبرراً أن  8  أفضل وأقوى وأكثر فاعلية.

وهنا يكون بوتين قد بدأ فعلاً بالحصاد، والعودة إلى مصاف الدول الكبرى عبر بوابة الدم السورية، فبعد إعلان ترامب مباشرة سارع وزير الخارجية الفرنسي الأسبق هوبير فيدرين دعوة أوروبا إلى إعادة بناء علاقاتها مع روسيا، قبل أن يسبقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ذلك.

ولا ننسى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد استقبل بوتين في القصر الصيفي لرؤساء فرنسا قبل أيام من انعقاد القمة، موضحاً في أكثر من مناسبة أنه من الواجب إعادة العلاقات مع روسيا وربطها بأوروبا مرة أخرى، وبالتالي تصحيح السياسة الغربية غير المتسقة التي دفعت روسيا نحو الصين.

هذا ما جنته روسيا فما الذي جناه السوريون؟

*من كتاب زمان الوصل
(199)    هل أعجبتك المقالة (203)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي