أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في اليوم العالمي لضحايا الإخفاء القسري.. ناجون من سجون الأسد يروون شهاداتهم

صورة تعبيرية - أرشيف

يصادف اليوم الجمعة 30 آب/أغسطس مناسبة "اليوم العالمي لضحايا الإخفاء القسري" المُعلن عنه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21 كانون الثاني/ديسمبر 2010، وبدأ إحياءه انطلاقاً من العام 2011، وأعلنت الجمعية حينها قلقها بصفة خاصة إزاء ازدياد حالات الاختفاء القسري في مناطق مختلفة من العالم.

يكثر استخدام الإخفاء القسري كأسلوب استراتيجي لبث الرعب داخل المجتمعات، فالشعور بغياب الأمن الناتج عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفين، بل كذلك يصيب محيطهم الاجتماعي ومجتمعهم ككل.

في هذه المناسبة تُقدّم "زمان الوصل" شهادات تعرّض أصحابها للاخفاء القسري، وواقعهم اليوم، علّها تُذكّر العالم بجريمة العصر.

"أليس مفرج" مسؤولة ملف المعتقلين والمفقودين في الهيئة التفاوضية منذ "جنيف3"، في العقد الرابع من عمرها، تنحدر من محافظة السويداء، تعرّضت للاعتقال في سجون نظام الأسد مرتين، الأولى في العام 2011 من وسط مظاهرة حي "القيمرية" في دمشق، والمرة الثانية عام 2013 على خلفية نشاطها الثوري، حيث قضت في زنازين الأمن السياسي 43 يوماً قبل أن تخرج بصفقة تبادل بين نظام الأسد وفصائل الثورة حينها وفقاً لاتفاق هدنة منطقة "برزة" البلد.

ودعت "مفرج" في تصريح لـ "زمان الوصل" إلى تذكر المعتقلين الأبرياء في سجون نظام الأسد الدكتاتوري الذي تجاوز الشرعية الدولية الحاظرة لعمليات الإخفاء القسري، مؤكدة أن المجتمع الدولي اليوم مطالب لاتخاذ موقف ينهي كارثة الاعتقال والاختفاء القسري المستمرين في سوريا من قبل نظام الأسد الذي استخدمه كسلاح حرب للقضاء على الحالة الثورية لما له تأثير على المعتقل وذويه.

وأردفت "أليس" أنّ جميع أطراف النزاع من قوى سيطرة الأمر الواقع تستخدم الإخفاء القسري لإرهاب المجتمعات مما يُؤدي لإنتاج استبداد آخر.

وأضافت "إن حالة الاستعصاء اليوم تستوجب تكاتف الجهود بتلازم المسارات السياسية والمدنية والحقوقية للعمل من أجل عقد مؤتمر دولي قوامه السوريون وبرعاية دولية لاستصدار قرار من مجلس الأمن وتحت الفصل السابع، كأولوية لأيّ تسوية سياسية".

وختمت "مفرج" بالقول "رغم أنّنا كسوريين فقدنا الثقة ببوصلة المجتمع الدولي تجاه قضيتنا، إلّا أنّنا سنظل نعمل تحت قبّة الأمم المتحدة التي صاغت منظومة حقوق الإنسان لتتحمل مسؤولياتها".

الفتاة "سحر زعتور ـ 24 عاما"، تنحدر من محافظة إدلب، تعرّضت للاعتقال عام 2014 من قبل الأمن العسكري في حاجز "الراموسة" بمحافظة حلب أثناء ذهابها لجامعتها، حيث كانت تدرس في السنة الثالثة بقسم "الجغرافيا".

وقضت في سجون نظام الأسد سنتين، نُقلت خلالها بين سجون ثلاث محافظات "حلب - حمص - دمشق"، تعمل حالياً في الحقل الاعلامي، وتدرس ماجستير إدارة الأعمال.

ذاكرتها تأبى نسيان كوابيس السجون أو حتّى تجاهلها للحظات مؤقّتة، كما تقول، حيث كانت شاهدة على الكثير من الانتهاكات الصادرة من قبل سجاني نظام الأسد بحق المدنيين المُحتجزين، إذ إنّهم كانوا يتعرّضون للتجويع والإذلال والضرب بالعصي والحديد والصعق والحرق دون أدنى رحمة أو شفقة، كما كانت تُشاهد كبار السن مُعلّقين على جدران الزنازين لأكثر من 15 يوماً، وكانت تُصاب بالذهول حين تُشاهد الشباب المعتقلين غارقين بدمائهم وفقاً لما قالته لـ "زمان الوصل".

وأردفت "سحر" أنّه لا بد من العمل الحثيث للتخفيف من آلام المعتقلين عبر سلك كافة السبل المتاحة دون استسلام، وتُنوّه بأنّه يتوجّب دعم الناجين من السجون بمشاريع تشغيلية لا سيما الموجودين في الداخل السوري المحرّر، والصامدين فيه برغم كُل الظروف الصعبة المعاشة.

وختمت "سحر" متسائلةً، لماذا حتّى الآن لم يتم إطلاق "يوم المعتقل السوري" أو ما شابه ذلك؟.

الشاب "محمد الشامي ـ 27 عاما"، ينحدر من ريف حمص الشمالي، قضى في سجون نظام الأسد 3 سنوات ذاق خلالها الويل، حسب تعبيره.

وأضاف لـ"زمان الوصل" إنه تعرّض للاعتقال في الشهر التاسع من العام 2011 برفقة ضباط وعساكر مجندين بتهمة الخيانة والانشقاق من مؤسسات نظام الأسد، تنقّل بين عدّة سجون وفروع أمنية، "سجن الطاحونة في منطقة المزة بدمشق، مكتب أمن الحرس الجمهوري، فروع المخابرات 293 و284، سجن الشرطة العسكرية في حي "القابون" بأطراف العاصمة، وسجن "صيدنايا" بريف دمشق سيئ الصيت، وينشط حالياً في الدفاع عن قضايا المعتقلين.

أصعب موقف شاهده "الشامي" في سجون الأسد بحسب ما ذكر، هو التعذيب حتى الموت، إذ إنّ سجاني النظام المجرمين كانوا دائما يبتكرون وسائل تعذيب وحشية ودموية جديدة، منها الضرب بالأحذية العسكرية على صدر إنسان مُقيّد مستلقياً حتّى يلفظ نفسه الأخير أمام كافّة المعتقلين، على سبيل المثال لا الحصر، "فكثرة وسائل التعذيب وأدواتها تحتاج لمجلّدات حتّى تُذكر".

وأردف "الشامي" قائلا "للحفاظ على الإنسانية في العالم لا مناص من إيقاف المذبحة القائمة بسجون نظام الأسد لا سيما سجن صيدنايا العسكري الذي قُتل فيه الكثيرين من المدنيين الأبرياء، وإن نجا مُعتقل فيه من الموت تعذيباً، فسيموت مرضاً جراء انتشار الوباء".

السيدة "ن - أ" في بداية العقد الثالث من العمر، تنحدر من محافظة درعا جنوبي سوريا، خريجة معلم صف عام 2011، اعتقلها عناصر فرع الأمن السياسي في بداية العام 2012 من مكان عملها في إحدى المدارس الابتدائية بتهمة تجاهل تقديم المواد الدراسية الخاصّة بتمجيد بشار الأسد وحزب البعث، لتقضي في السجون 5 أعوامٍ سُلبت منها زوراً في سجون درعا وفروع الأمن القومي والمنطقة والجوية بدمشق.

قالت لـ"زمان الوصل" إنّها كانت في مرحلة إثبات الذات، خريجة جامعية، وموظفة جديدة، لم يتبق من أحلامها سوى الفارس شريك الحياة وبناء أسرة، لكنّها وجدت نفسها في عالمٍ آخرٍ مختلف، لن يقوى على فهم تفاصيله من لم يعشه، فآثار الحروق على يدها تُذكّرها دائما بعذابات وقهر الزنازين وأشكال التعذيب والإذلال وآنين النساء فيها.

وأردفت: "قياساً إلى تفاصيل السجون فإنّ من حسن حظ الفتاة المعتقلة أن لا يكون قلبها معلّقاّ بزوج وأطفال يضيفون أعباءها في تذكّرهم بسجنها".

ومن إحدى الشواهد في ذات السياق قالت إنّها في فرع المنطقة اجتمعت مع سيدة معتقلة وهي حامل، أنجبت في ذات الزنزانة التي تجمع 40 سيدة، كانت الطفلة بحاجة للرضاعة الطبيعية، والأم لا تستطيع ذلك، كما لا يوجد حليب بديل، ويضيق نفس الطفلة بسبب الرطوبة، وتحتاج للحفاضات الصحية والأدوية والألبسة، فتقضي الأم والطفلة وقتهما بالبكاء، إلى أن نجحت في إقناع السجان بضرورة إخراج الطفلة التي أصبح عمرها عشرة شهور، وهنا ما يُدمي القلب، حيث الفراق بين طفلةٍ صغيرة ووالدة فرحة بخروجها إلى الحياة، فيما قلبها يعتصر آلماً على فراقها دون أملٍ بلقاءٍ قريب.

تُضيف محدثتنا أنّها نجت من سجون الإجرام بموجب صفقة تفاوض عام 2017، وتعيش حالياً في الشمال السوري المحرر، لكن ما زال ذاك العالم الوحشي يحوي في زنازينه الدموية الكثير من المدنيين الأبرياء التواقين للحرية حتّى ولو كانت منقوصة.

وعلّلت السيدة "ن - أ" طلبها بعدم ذكر اسمها الحقيقي قائلةً، العمل حالياً متوفر في المنظمات فقط، والأخيرة لا تقبل توظيف الناجيات من سجون الأسد!.

ظاهرة الإخفاء القسري مشكلة عالمية، لم تعد حكراً على منطقة بعينها، وتُستخدم كوسيلة للضغط السياسي على الخصوم، ولنظام الأسد نصيبٌ كبيرٌ في ممارستها، فأقبية فروعه الأمنية وزنازين ثكناته العسكرية "الرسمية والسرية" مُكتظّة بالمدنيين "رجالاً- نساءً- أطفالاً- عجزة" منذ آذار/مارس 2011 وما قبل، يُمارس بحقّهم أبشع أنواع التعذيب "النفسي والبدني" كالـ "الضرب، والسحل، والصعق بالكهرباء، والحرق بالنار، والتذويب بالأسيد، والشبح لساعات طويلة، والتجويع، والاغتصاب الجنسي"، إضافةً إلى حرمانهم من كافّة الحقوق القانونية.

وتمكّنت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" من توثيق أكثر من 215 ألف مدني مُعتقل، وبحسب بيانات "المرصد السوري لحقوق الإنسان" فإنّ المُغيّبين تجاوزوا 200 ألف إنسان، و"المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" وثّق 118 ألف مدني مُغيّب، ووفقاً لـ"منظمة العفو الدولية" فإنّ "نظام الأسد" أعدم 13 ألف مدني في معتقلاته حتى عام 2015، في حين يُرجّح ناشطون مستقلون بوصول عدد المُغيّبين قسرياً في سجون نظام الأسد لأكثر من نصف مليون إنسان.

وبالرغم من المُطالبات المستمرة للمنظمات الحقوقية والإنسانية السورية وغيرها بضرورة العمل العاجل لإطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من "سجون الأسد الإجرامية"، وتبيان مصير المُغيّبين قسرياً، واعتماد تقارير "لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية والمُشكّلة من قبل "مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة"، ومُحاسبة مُرتكبي جرائم الحرب وفقاً لـ "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" و"معاهدة جنيف الرابعة عام 1949" و"نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998"، فإن الصمت الدولي ما زال مُخيّماً، والموقف الإقليمي والعربي يزداد ضبابيةً، والاعتقالات المدعومة بالانتهاكات الوحشية الصادرة عن "نظام بشار الأسد" تستمر بصدارة المشهد.

فادي شباط - زمان الوصل
(197)    هل أعجبتك المقالة (211)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي