نشر رجل الأعمال السوري يحيى القضماني (نائب رئيس "الهيئة العليا للمفاوضات") على صفحته الشخصية إعلاناً يقول فيه بأنه اعتزل النشاط السياسي منذ سنتين، وبأنه سيكون شاكراً لمن يستطيع إلغاء حكم "محكمة الإرهاب" ضدَّه ليعود إلى سوريا!!
وعلى الفور أسدى الشاعر السوري المعروف شوقي بغدادي نصيحةً إلى صديقه القضماني مفادها أنْ يرسل "طلباً رسمياً إلى رئيس الجمهورية"، متوقّعاً أن يوافق عليه "الدكتور بشار الأسد"!!
والحقّ أنني لستُ متفاجئاً مما كتبه القضماني، بسبب معرفتي بأنه لم يكن قبل الثورة صاحب موقف سياسي. وحين اندلعت الثورة استطاع، ككثير من رجال الأعمال السوريين الذين انحازوا إلى الحراك الشعبي، الحصول على منصبٍ في مؤسَّسات المعارضة. ومع الانكسارات المتتالية يبدو بأنَّ الرجل قد ندمَ على ما قام به، فكتبَ هذه المناشدة الذليلة.
لكنني متفاجئ، فعلاً، مما كتبه الشاعر شوقي بغدادي، وخصوصاً اعتباره السفَّاح بشار الأسد رئيساً وقدوةً وموضعَ ثقةٍ!
متفاجئ من أنَّ شاعراً صمتَ عن المذبحة في بلاده طوال السنوات الفائتة، وحين فتح فمه فإنما لمباركة الذلّ، وإعطاء شهادة حسن سلوك بصانع المذبحة!
متفاجئ من أنَّ شاعراً، له رصيدٌ من الاحترام، وقد خالَهُ العديدون منَّا أقرب إلى موقف الشعب، يُجاهر بما يخجل السوري العادي من التفكير فيه، ولو بشكلٍ عابرٍ، بينه وبين نفسه!
لقد اعتدنا على إيلاء موقف الشاعر أهميةً كبرى، وأحياناً تفضيلية على مواقف سواه من المثقَّفين، لأنَّ لكلماته وقعاً سحرياً وعاطفياً على الناس. ولأنَّ في التاريخ الإنساني أمثلةً تراجيديةً لا تُحصى عن شعراء قدَّموا حياتهم في سبيل قول كلمتهم وإعلان موقفهم.
وعلى المستوى الشخصي تابعتُ، منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي في العالم العربي، مواقفَ الشعراء العرب، كلٌّ بحسب موقفه من الثورة في بلده، وتصدَّيتُ لفضح العديد منهم على صفحات مجلَّة "الغاوون" الأدبية (2008 – 2013) التي كنتُ أُشرف على تحريرها.
وحين أعلن الشاعر السوري نزيه أبو عفش موقفه الصادم والمخزي من المظاهرات السلمية، لم أتردَّد بالإيعاز لرسَّام الكاريكاتور في المجلَّة برسم أبو عفش على هيئة عنصر مخابرات يؤدّي التحية للجلَّاد.
بعض أعداد مجلَّة "الغاوون" تحوَّلت إلى نشراتٍ سجاليةٍ حول مواقف الأدباء، والشعراء خصوصاً، تجاه حراك شعوبهم، لأنَّ المجلَّة أصلاً تمَّ افتتاح عددها الأوَّل بجملةٍ شهيرةٍ قالها برتولد بريشت بعد انتصار النازية في ألمانيا: "لن يقولوا: كانت الأزمنة رديئة، بل سيقولون: لماذا صمتَ الشعراء؟".
إزاء ما كتبه الشاعر شوقي بغدادي، أقول لنفسي: ليت الشعراء يتابعون صمتهم!
*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية