أعرب روبرت مينارد المدير السابق لمركز الحريات الإعلامية في الدوحة عن خيبة أمله بمستوى الحريات في دولة قطر او طبيعة قدرتها للقيام بمهمة على مستوى رعاية قضايا الحريات في العالم.
وكان مينارد عالج العديد من القضايا المتعلقة بالحريات، ولم يكن يخشى من قول وجهات نظره في إدانة الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون في الصين او باكستان او تايلاند. إلا ان الناشط الفرنسي المعروف يقول ان معركته الأهم كانت في قطر حيث ارسى أسس أول مركز للدفاع عن الحريات، ولكنه وجد نفسه واقعا تحت سيل من الانتقادات بسبب أسلوبه الصريح.
فمنذ وصوله الى الدوحة وجد الأمين العام لمنظمة "صحافيون من دون حدود" التي تتخذ من باريس مقرا لها، انه لا يفلت من تناقض إلا ويقع في آخر. فتارة واجه اتهامات بانه يهين الإسلام، وأخرى بانه يرفع سقف حريات الصحافة المحلية أكثر مما تستطيع الطبيعة المحافظة لقطر ان تتحمله.
وقال من منزله في باريس "لا اعرف ما الذي سيحدث. نحن ننتظر لنرى". وأضاف "لدينا صعوبات ضخمة مع الحكومة القطرية، وانا مصاب بخيبة الأمل".
ومن المنتظر ان يقوم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الاسبوع المقبل بزيارة رسمية الى فرنسا تستغرق ثلاثة أيام برفقة عقيلته الشيخة موزة بنت ناصر المسند التي مولت المركز بدعم من الأمير.
وينتظر أن تُطرح قضية مصير المركز ومديره خلال المحادثات مع المسؤولين الفرنسيين، ليقرر الثنائي الأميري على ضوئها مستقبل المركز.
وقبل أن يجد نفسه في مواجهة أوضاع شديدة التقلب خلال الأشهر الثمانية الماضية، كان مينارد انشغل، عقب زيارة الى بغداد في سبتمبر/أيلول 2007، بمشروع لمساعدة أسر نحو 200 صحافي قتلوا في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
وقال "كتبت رسالة الى الشيخة موزة عقب الزيارة لاني كنت أعاني من مشاعر الحزن والصدمة لعدم وجود تضامن من جانب العالم العربي. وردت الشيخة موزة قائلة انه يجب ان نعمل شيئا. وقابلتها بعد ذلك بشهر لمناقشة فكرة (عمل شيء للتضامن مع الصحافيين العراقيين)".
في ذلك الوقت كان مينارد امينا عاما لمنظمة "صحافيون من دون حدود" وعرضت عليه الشيخة موزة أن يتولى إدارة المركز، وهو أمر بدا، بالنسبة له، اغراء لا يقاوم لاسيما عندما يقدم من جهة شخصية إصلاحية بارزة.
ويقول مينارد "دافعي كان هو انشاء مركز ذا مصداقية ليس في أوروبا او الولايات المتحدة، بل في العالم العربي. والتحدي في أن لا يكون هذا المركز في الغرب كان هو سبب القبول".
وكان المركز يهدف الى تأدية وظيفتين، هما توفير الحماية للصحافيين الذين يتعرضون للتهديدات، وتقديم الدعم للمؤسسات الصحافية في البلدان التي تُحكم من قبل أنظمة قمعية.
والصحافيون كان يحق لهم الحصول على إقامة لمدة ستة أشهر، على أن تدفع تكاليف معالجتهم وقضاياهم القانونية وذلك ريثما يتاح لهم اتخاذ قرار بشأن مستقبلهم. وكان يفترض بالمركز أن يساعد في إعادة بناء المنافذ الإعلامية التي تعرضت للضرر في النزاعات او الكوارث الطبيعية ويعرض تقديم مساعدة تقنية للحكومات التي ترغب بإصلاح القوانين المتعلقة بالصحافة.
ولكن في السنة الأخيرة، يقول مينارد، كان لدينا صحافيان اثنان فقط، كلاجئين وهما أفغاني وصومالي. وكلاهما الآن في باريس ونحن نساعدهما في ترتيب التأشيرة لكي يتقدما بطلب للحصول على حق اللجوء. ومنذ ذلك الحين لم تقدم الحكومة القطرية أية تأشيرات لصحافيين بالرغم من تعدد الطلبات التي تقدم بها المركز.
وبالنسبة للحكومة القطرية فقد كان يخشى أن تثير طلبات اللجوء مشكلات دبلوماسية مع بعض البلدان.
ويقول مينار "في البداية كانت القاعدة هي ان يكون المركز مستقلا، وبالتالي ليست له أية علاقة بالدبلوماسية القطرية. وبقينا نستلم رسائل الكترونية من صحافيين من كل العالم، ولاسيما من الصومال وباكستان ولكننا كنا غير قادرين على تقديم العون لهم".
وفي مارس/آذار الماضي كتب مينارد رسالة مفتوحة الى الشيخة موزة نشرت على موقع المركز تقول "ان بعض الأشخاص المقربين منك وآخرين ممن عينوا في مناصب رئيسية في المركز كانوا يعيقون نشاطاته".
ويقر مينارد أن توجيه رسالة علنية الى المسؤولين أمر غير مقبول في الثقافة العربية.
وزادت الأوضاع سوءا عندما شارك فليمنغ روز مدير التحرير الثقافي في الصحيفة الدنماركية التي نشرت رسوم الكارتون المسيئة الى النبي محمد قبل اربع سنوات، في مؤتمر اليونسكو الذي عقد في الدوحة.
صحيفة "الوطن" المحلية اتهمت مينارد بالترحيب بـ"الشيطان" في الدوحة لاهانة جميع المسلمين. وقام احد المساجد بالتنديد بالمركز في صلاة الجمعة. وذلك رغم أن المركز نفى أن تكون له أية صلة بترتيب زيارة روز.
وفي مايو/أيار دافع المركز عن صحافي مصري يعمل في صحيفة "الشرق" تلقى تهديدات من جهة مجهولة على هيئة قصيدة. ويعتقد أن التهديد كان على صلة بسلسلة من التقارير نشرت في الصحيفة عن قضايا الاختلاس.
وفي الأسبوع الماضي طالب احد أعضاء مجلس الشورى في قطر بطرد مينارد حسب تقرير نشر في صحيفة "العرب" المحلية.
وكانت قطر تعد دولة رائدة في بناء مجتمع مدني، إلا أن هناك من يقول إن مينارد حاول ان يدفع بقضايا الحريات الاعلامية بسرعة كبيرة على قطر.
وتحاول قطر ان تظهر نفسها كمركز لحرية الإعلام، لاسيما من خلال الدور الذي تؤديه قناة "الجزيرة"، إلا انها ما تزال غير قادرة ان توفر الرعاية لمشاريع إعلامية حرة بالنظر الى التداخل بين أعمال الحكومة وعلاقاتها الدبلوماسية وبين هذه المشاريع.
فرعاية الدولة لهذه المشاريع هو احد اهم مصادر التناقض. فحتى ولو أراد المسؤولون القطريون القول ان المؤسسات التي يقومون برعايتها "مستقلة" فان الآخرين لا يستطيعون أن يروا هذه الاستقلالية بالفعل.
وهناك الجانب الدعائي الذي يبدو ان مينارد وقع في فخه. فقطر تريد أن تبدو مركزا للحريات، وأن تكسب دعاية من هذا الجانب، إلا انها ليست مستعدة ولا مؤهلة من الناحية العملية لتحمل العبء.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية