تتعمد موسكو بين حين وآخر التأكيد، وعلى لسان كبار مسؤوليها، أن الهجمات العسكرية لقوات النظام ضد المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة في حماة وإدلب بغطاء جوي روسي، إنما هي تطبيق للتفاهمات التركية الروسية، وهذا ما أعلنه صراحة بالأمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال: "هجمات النظام على إدلب لا تخالف الاتفاقات مع تركيا".
رغم التصريحات المتكررة من الجانب الروسي لم يصدر عن المسؤولين الأتراك أي نفي أو رد، علما أن المسؤولين في أنقرة اعتادوا الرد على تصريحات المسؤولين من كافة الدول في القضايا التي تتعلق بتركيا، إلا أنهم في هذا الملف يكتفون بالإشارة إلى الجوانب الإنسانية وفي أقصاها التحذيرات من أن الهجوم على إدلب قد يشكل تهديدا للأمن القومي التركي، وهذا ما قاله مؤخرا الرئيس رجب طيب أردوغان، وربما كان يشير في ذلك إلى خشية تركيا، التي تستضيف أكثر من 3 ملايين سوري، من موجة لجوء جديدة هي في غنى عنها.
ما قاله لافروف وغيره بشأن الاتفاقات مع أنقرة قد يكون صحيحا بالنظر إلى السياسة التركية في الملف السوري وهي سياسة "دورة الربح السريع" إن جاز لنا التعبير، وربما في هذا السياق جاء التخلي عن حلب، التي كانت جزءا من تسوية الخلافات الروسية التركية التي تفاقمت على خلفية إسقاط الطائرة الروسية، ومن ثم جاءت وربما في السياق نفسه مباركة مخرجات مؤتمر سوتشي والدخول في معمعة اللجنة الدستورية دون أن ننسى الاجتماعات المتتالية في أستانا و"ضامنيها"، وربما من نتائجها "قوننة" التهجير إلى الشمال.
التفاهم الأولي الذي توصلت إليه تركيا مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة "الآمنة" في مناطق شرقي الفرات في سوريا لن ترضى عنه روسيا وستسعى لأن يكون له مقابل في مناطق غرب الفرات التي باتت منطقة نفوذ روسي قد لا تكون مناطق الشمال "المحرر" في حماة وإدلب بعيدة عنها، وهي مناطق بات النظام يقضمها بإشراف روسي، وشهدنا ذلك في خان شيخون وغيرها من المناطق المجاورة.
وقد لا ترى تركيا وفق سياسة "دورة الربح السريع" ضيرا في ذلك مقابل تشكيل المنطقة الآمنة شرقي الفرات، لكن السؤال ماذا لو أحكم النظام سيطرته على إدلب وتوافقت القوى "الكردية" مع النظام، وهذا غير مستبعد، بل هذا ما دعت إليه قوات سوريا الديمقراطية علنا، عندها، كيف لتركيا أن تبقى في تلك المنطقة؟ بل ما الذي سيمنع النظام نفسه من إيجاد "حكما ذاتيا كرديا"، مقابل خطوة أخرى باتجاه إعادة تدويره.. وبالتالي خسارة كبرى جديدة للأتراك في الملف السوري، وهم الذين حازوا في فترة من فترات الثورة السورية على ولاء الملايين من السوريين من منطلق "دعم انقرة للثورة".
بالمحصلة، لابد من التأكيد على البدهية السياسية، وهي أن الدول ليست جمعيات خيرية ولا تسعى لأكثر من مصالح قد تلتقي مع رغبتنا وقد تتعارض، أما ما بات بدهيا أيضا هو أننا كسوريين بكل تصنيفاتنا فشلنا فشلا ذريعا في المحافظة على سوريا.
"دورة الربح السريع" في الملف السوري.. حسين الزعبي*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية