كسا الإحباط، حتى صنّاع التفاؤل وبؤر الأمل، وسادت روح الهزيمة مجتمع المعارضة السورية بجلّ مستوياته، فما حصل ويحصل أخيراً، من خيبات بدول الإقليم والديمقراطيين، وتقهقر "الثوار" على الأرض، أفقد ما تبقى من أمل، لدى كل من كان يعوّل، على انتصار قوى الحق والشعوب على الظلم والفساد والديكتاتورية.
وبالتوازي، ساد نمط مبتور، من المراجعة وإعادة الحسابات، وصل حدود التخوين وتوزيع التهم والمسؤوليات، وكأن حالة جنون واضطراب، مسّت، حتى أولي العقول والألباب، بعد جملة متتالية من "الصفعات" بدأها سارقو تمثيل الشعب بأستانا 13 وتابعها تضليل "المجاهدين" على الأرض، لتختمها دول "أصدقاء الشعب السوري" سواء بالتخلي المطلق إزاء جرائم الأسد بوتين في إدلب، أو التضييق على اللاجئين الذي وصل للتنسيق التركي مع "عدو السوريين" جبران باسيل، لإيجاد طريقة تعيد السوريين إلى حظيرة الأسد.
ودفعت هذه المستجدات المخطط لها منذ أمد، حتى "حكماء الثورة" للدعوة لضرورة الاعتراف بهزيمة الثورة السورية، تاركين فراغاً مؤلماً بعد الاعتراف.
بمعنى، هل الاعتراف، برأيهم طبعاً، يملي ضرورة فعل ما بعده، من عودة لحضن الأسد وتقديم الاعتذار عن جريمة طلب الحرية والكرامة؟!
أم الاعتراف، برأي بعض الخجلين، يتطلب العودة للحوار والتخلي عن مواجهة "المخرز" لطالما قذى وعوار بعين المواجهة؟!
أو ربما يقتضي الاعتراف بمنظور آخرين، التنكر لطور "العسكرة" ولعنه، لأنه الفخ الأخطر، التي دفعت دول الإقليم ومن يهمهم الأمر، السوريين إليه دفعاً، والبدء، أو التحضير لطور ثوري آخر، أو ثورة جديدة مستفيدة من جميع أخطاء الماضي، مذكرين على الدوام، أن كبرى ثورات العالم، خابت وقمعت خلال مراحلها الأولى، ولم تنتصر الثورة البلشفية خلال عهدها الأول عام 1905 والفرنسية إلا بمرحلتها الرابعة، بعد عشر سنوات من التقلبات والدم والخيبات.
قبل محاولات القراءة والبحث عن سبيل، ربما من لزوم ما يلزم الوقوف عند بعض الهوامش، وعدم الغوص بجدلية هل هزيمة الثورة العسكرية تعني انتصار الأسد بواقع كل هذا الدم والخراب والخسائر وإفقاد الأسد، أدنى مبررات الاستمرار وأي صلاحيات وقرار.
هامش 1: لم يتغير أي شرط وسبب، من تلك التي دفعت السوريين لانتفاضتهم، سواء على صعيد الحريات أو المعيشة، أو حتى توارث السلطة والاستئثار بها، بل زادت سني الثورة، السوريين قهراً وفقراً وأضاف الوريث لسرقته السلطة، جرائم إبادة وتهجير.
بل، وكُشف غطاء الشرعية عن سيادته، بعد فضح خديعة معاداة إسرائيل وترك سورية بما فيها وعليها للمحتلين، كرمى كرسي الحكم.
هامش 2: لم تعد الثورات، بمفهومها وسيرورتها، كما ثورات القرن الماضي أو حتى حركات التحرر التي شهدناها قبل عقود، فعالم اليوم، خاصة بعد محاولات عودة روسيا الاتحادية لموقع الاتحاد السوفياتي كقطب ثان مناوئ، ليس للرأسمالية، بل للولايات المتحدة ومشاريعها، بالخليج والشرق والأوسط عموماً.
ما يعني، سقوط شعارات ومفاهيم حرية وحقوق الشعوب بتحديد مصيرها، ليحل محلها وبكل وقاحة، مصالح الأقوياء والحروب بالوكالة والمقايضات وإن عبر دماء وأحلام المقهورين.
هامش3: لا يمكن لأي دولة، أن ترمي بنفسها بفوهة الخطر، كرمى للسوريين الذين أدمنوا الاتكال وتخلوا عن جميع ورقات قوتهم، بل وغاص جلهم، بوحل التبعية والتشظي وتاهوا، أو توهتهم التبدلات، حتى لجهة تحديد الأولويات والأعداء.
هامش أخير: منذ البداية ربما، أو بعد انطلاقة الثورة بقليل، سكت السوريون وغضوا الطرف، عن سرقة ثورتهم وحرفها، سواء بسوء نية ونفعية وتآمر، أو بحسن نية ناتجة عن الوعود و القياس الخاطئ، بين سوريا الأسدية العميقة، ودول الربيع العربي التي يتحلى أعتى ديكتاتوريها، بحد، ولو أدنى، من الانتماء لوطنه وشعبه.
إذا، والحال على ما آل إليه اليوم، ربما ينتظر السوريون وآل الأحلام وأصحاب الدم، الإجابة عن سؤال، ماذا بعد وما العمل لئلا يعيد تاريخ الثورة الاسبانية نفسه، ويعود فرانكو سورية قائداً مخلصاً وقاهراً للإرهاب والانفصاليين من جديد؟!
أعتقد شبه جازم، أن ما تمر به الثورة السورية اليوم، والمنتهية عملياً لجهة العسكرة والمواجهة المباشرة، هو طور مهم وضروري ربما، وإن كانت كفارة "الصمت والقياس" قهراً ودما وتشريداً، ولن نطيل حول ما هو بدهي، سواء لضرورة تخليص السوريين من المتأسلمين وإيقاع الأسد بفخ الجغرافيا ومزيد من انكشافه والأعباء الكثيرة المترتبة بعد خان شيخون وما حولها، لأن تجربة عودة الغوطة ودرعا، عرّت الليرة السورية وزادت من ضعف الأسد تجاه أبسط مستلزمات وحقوق من هم بكنفه.
أما ما نعتقده الأهم، سيشهد العام المقبل وعلى الأرجح، نهاية لخلافات المحتلين حول اقتسام النفوذ وتوزيع كعكة خراب سوريا.
بمعنى مباشر، ثمة حل لسوريا آت لا محالة، ببساطة، لأن العالم بأسره، لا يمكنه ترك سوريا تسير نحو الدولة الفاشلة والحالة لتتحول لخطر دولي قد ينذر بمواجهة بين الكبار وحرب، إن علموا ملامح بدايتها من الاستحالة تحديد نتائجها ونهاياتها، وذاك الحل ووفق، حتى منطق المصالح والمحتلين، سيكون رمي "الأدوات" التي أدت أدوارها الوظيفية بإتقان واقتدار، ولن يكون من مكان وقتذاك، لا للأسد ولا للمتأسلمين، حتى وإن تم تقسيم سوريا لمناطق نفوذ مؤقتة، من الصعب ضبط الحدود فيما بينها، أياً اجتمعت مصالح وأطماع المحتلين.
نهاية القول أمرلن أولهما، ليس شرطاً أن تسير ملامح الحل وفق أي منطق، بمعنى، ليس مستبعداً أن يبقي العالم وبالتوافق، على نظام بشار الأسد، إلى 2021 أو ما بعده بولاية وراثية رابعة، لكن الأرجح وقتذاك، أن تعود سوريا بعد التهدئة القسرية، للانفجار وبحرب أهلية يصعب على الجميع حينها، ضبط حدودها وعقابيلها.
وأما الأمر الثاني، بصرف النظر عن أي سيناريو ومآل، حققت ثورة السوريين الصوفية بانطلاقتها، إنهاء أبدية الأسد وكشفت زيف الديمقراطية وادعاءات الدول ووهم المؤسسات والمنظمات، ومهدت، إن ما حدث الأسوأ لاحقاً، لمرحلة جديدة من ثورة لن ولم ولا يمكن أن تنتهي، قبل وصول السوريين لحريتهم وكرامتهم.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية