بعيداً عن هزائم المعارضة السورية العسكرية وما نتج عنها من ويلات على السوريين المتحلقين حولها، وهذه لها ما يبررها بسبب التداخلات الإقليمية والدولية، والدعم الكبير الذي تلقاه النظام من حلفائه، فيما حلفاء المعارضة تناقضوا في مصالحهم إلى درجة الشقاق وحتى العداوة.-بعيداً عن كل ذلك- تبدو الهزيمة السياسية أشد مرارة.
تناقضت النخبة المعارضة في شكلها وتنظيمها وحتى خطابها، وانقسمت أخيراً إلى معارضات صغيرة تنطق باسم ممولها الإقليمي، وتقبل بما يمليه دون النظر إلى مشروعها الوطني غير الواضح، وبعضها اليوم تناسى دوره السياسي في حمله لراية حقوق السوريين ليقتصر دوره في الدفاع عن دولة بعينها حينما اشتدت وطأة خلافات أصدقاء الأمس القريب.
بعضها كان مكشوفاً لدرجة الغباء في رؤيته للصراع السياسي حيث كانت مصلحته الشخصية في سلم أولوياته وأنشأ في دول الشتات المعامل والمطاعم والكافتيريات، وآخرون عملوا على زيادة ألم السوريين التائهين في بلدان الهجرة، وتاجروا بهمومه، وتجارة الجوازات المزورة واحدة من إنجازات حكومات المنافي الوضيعة.
ضبابية الرؤية السياسية الأكثر بلاهة كانت في علاقة هذه الأجسام المعارضة التي تم تشكليها مع السوريين الآخرين، وخطاب التخوين تارة، وتزكية منظمات كانت سبباً في بلاء السوريين بجحافل الجهاديين الذين أكملوا مشروع الإجهاز على الثورة السلمية.
وهذا ما أخرج الأسئلة الصعبة والمرّة لبعض السياسيين والإعلاميين والباحثين في أسباب هذا الفشل الذريع لمشروع الثورة السياسي، وانتقلوا اليوم للحديث عن أسباب نجاح ثورات الربيع العربي (جزئياً ومرحلياً)، وهروب من قادوها من مذبحة مماثلة للسوريين، وباتت تجربة السوريين مضرب مثل لتخويف المعارضين في العالم العربي.
تونس أولاً كانت هي المثل في الانتقال الشفاف وهذا حكمته ظروفها، والاستحقاقات الإقليمية والدولية، وأما عينهم اليوم فهي على السودان الذي أنجز ثورته وإن لم تكن مكتملة، وتحيطها الأخطار، ويمكن أن تتكرر فيها تجارب ثورات أوصلت الفلول إلى إعادة إنتاج النظام السابق..إلا أنها ثورة حقيقية قطعت أول أشواط نجاحها بأقل الخسائر.
سوريون اليوم يطالبون الائتلاف وبقية الأجسام المعارضة بالذهاب إلى الخرطوم وأخذ الدروس ممن صنعوا هذا الإنجاز السوداني، ومعهم إعلاميو المعارضة الذين تفننوا في الفرقة والانتهازية واللهاث وراء المال.
ولكن قبل كل هذه الدعوات - التي ربما تعجب البعض فيرى فيها منفعة مالية وسياسية- لا بد من طرح سؤال أهم من وجهة نظري وهو من يحاسب هؤلاء على إساءاتهم لعموم الشعب، وتسببهم مع النظام بقتل عشرات الألوف وتهجير الملايين، وعلى الأقل محاسبتهم على تبديدهم لأموال دعم السوريين، وإحصاء ثرواتهم وأرصدتهم وسفراتهم وإقاماتهم في أرقى الفنادق، وكذلك استعادة كل دولار قبضوه من رواتب وحوافز ومن تحت الطاولة في وقت كان السوري المحاصر يأكل القطط وأوراق شجر الزيتون، ويموت جوعاً قبل أن يموت بالرصاص.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية