بعد أن أوضحنا في الحلقتين السابقتين الصبغة القمعية لكل من قانون حماية الثورة، وقانون حالة الطوارئ، فإننا نفرد هذه الزاوية لقانون لا يقل قمعيةً وخطورة عنهما، وهو القانون رقم 49 لعام 1980 والذي سخره النظام البعثي السوري لقمع تنظيم سياسي محدد من معارضيه، وهو حزب الإخوان المسلمين، مع العلم أن سلة القوانين القمعية مازال فيها الكثير من القوانين، لكننا آثرنا في هذه السلسلة التطرق لأخطرها وأكثرها تأثيراً في المشهد السياسي السوري.
وبعيداً عن اختلاف التصنيفات والآراء والمواقف من حزب الإخوان المسلمين، فإن بحثنا سيقتصر على الجانب الحقوقي للقانون موضحين عدم مشروعيته، ومبرزين الغاية القمعية منه.
وبالعودة إلى ماقبل استلام حزب البعث زمام السلطة في سوريا عام 1963 فإننا نلحظ أن الساحة السورية كانت تعيش جانبا من الحراك السياسي والديمقراطي عبر الأحزاب التي كانت موجودة آنذاك.
وقد كان حزب الإخوان من أقدم الأحزاب في سوريا كحزب مرخص، ويحظى بتأييد شعبي واسع من كافة الشرائح، وكان له نشاط اجتماعي وثقافي كبيرين في المجتمع السوري، كما كان لديه نوّاب في البرلمان وأعضاء في الوزارة.
لكنه ومع استلام حزب البعث للسلطة بدأ بالتضييق على الأحزاب وخاصة ً حزب الإخوان المسلمين بحجة منع قيام الأحزاب على أساس ديني لمخالفة ذلك للأيدلوجية البعثية العلمانية الاشتراكية.
وزاد التوتر بين النظام البعثي السوري وحزب الإخوان في بداية الثمانينات عندما لمس الإخوان ممارسات النظام الطائفية ضدهم بالإضافة إلى حملات الاعتقال والملاحقة.
ولم يكن ذلك غريباً على حزبٍ استلم السلطة بانقلابٍ عسكري، فكان من الطبيعي أن يستأثر بالسلطة معتبراً كل خصم سياسي عدواً له يجب إقصاءه.
ومن هذا المنظور قام حزب البعث الحاكم بإصدار القانون رقم 49 لعام 1980 في عهد حافظ الأسد والذي نص في مادته الأولى أنه يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كل (منتسب) لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.
وقد تجلت الطبيعة القمعية لهذا القانون في النواحي التالية:
اولاً: إن هذا القانون يتسم بالصفة الشخصية، فهو من جهة موجه ضد تنظيم أو حزب سياسي محدد بعينه، وتبدو أيضاً من خلال سرعة إصدار هذا القانون، حيث تمت مناقشته في مجلس الشعب وصدوره من رئيس الجمهورية آنذاك خلال 24 ساعة فقط.
ثانياً: عدم مشروعية ودستورية هذا القانون وذلك عندما نص في المادة الثانية منه على إعفاء كل منتسب لتنظيم الإخوان يسلم نفسه خلال مُدة شهر من تاريخ نفاذ القانون واستثنى من هذا الإعفاء كل من كان قيد التوقيف أو المحاكمة قبل صدوره، ومن هنا تظهر الصفة القمعية بشكل واضح من حيث النية بشمول هذا القانون كل من كان معتقلاً قبل صدوره، أي قبل اعتبار الانتساب لحزب الإخوان جرماً قانونياً، ومما يؤكد على الطابع القمعي لهذا القانون إخضاعه محاكمة المنتسبين إلى حزب الإخوان إلى المحاكم الميدانية العسكرية، وهي محاكم استثنائية تختص بمحاكمة العسكريين في حالة الخيانة والتجسس لصالح العدو، وتفتقر المحاكمة أمامها إلى أبسط حقوق التقاضي من حق توكيل محامٍ للدفاع وحق الطعن بالحكم الصادر عنها.
ثالثاً: مخالفة هذا القانون للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الجمهورية العربية السورية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى مخالفته ميثاق الأمم المتحدة الذي وقعت عليه سوريا والذي يضمن احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في التعبير عن الرأي، وعدم جواز ملاحقته بسبب انتمائه لقومية أو دين أو حزب ما.
إن الأسباب المذكورة بالإضافة إلى اعتبار مجرد الانتساب لحزب الإخوان جريمة وإنزال أقصى العقوبات بشأنها وهي الإعدام تؤكدان الغاية القمعية لهذا القانون، ورغبة حزب البعث الحاكم باستئصال كل معارض سياسي له.
وبالرغم من انتفاء الهدف الأساسي من القانون 49 حسب مزاعم الذين أقروه وهو (الوقوف بوجه مخططات القتل والتدمير بحق المدنيين والعلماء والأطباء والعسكريين، وكذلك المجازر الجماعية بالعبوات الناسفة)، وبالرغم من إصدار جماعة الإخوان المسلمين في سوريا عددًا من الوثائق التي تؤكد من خلالها نبذها العنف والتزامها العمل السلمي والسياسي مثل ميثاق الشرف الوطني عام 2001، والمشروع السياسي لسوريا المستقبل عام 2004، فإن هذا القانون لا زال ساريا حتى هذه اللحظة، الأمر الذي يؤكد أن نظام البعث السوري يرفض اي معارضة سياسية حتى لو كانت سلمية وهو بالتالي يعتبرها عدوا له يجب قمعها واستئصالها.
تفريخ القوانين القمعية في سوريا 3/3*

*سليمان النحيلي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية