أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السقوط في مستنقع الأزمة السورية.. فؤاد عبد العزيز*

من درعا - جيتي

ما مر على السوريين خلال السنوات الثماني الماضية، يصعب على أي شعب أن يتحمله، وما نشاهده اليوم من حالات، لشاب بلحية وشوارب، يخرج على البث المباشر، ليعلن بفخر أنه ليس رجلا، أو لامرأة تجري عشر مقابلات مع كبرى وسائل الإعلام العالمية، خلال أسبوع، لأنها أعلنت على صفحتها الشخصية أنها مارست الجنس، ما هو إلا ارتدادات لحالات الانكسار التي بدأ يعانيها هذا الشعب، وبالطبع لا يخرج عن هذا الإطار تغريدات العميد أسعد الزعبي الأخيرة بحق فصيل من الأكراد..والتي رأى فيها البعض، بأنها أشد فتكا، مما فعله الشاب والمرأة..فلو أنه فعل مثلهما، لما تعرض ربما، لكل هذا الهجوم ..!

قبل أكثر من ست سنوات، عندما لم يكن النظام قد توحش بعد، بعمليات القتل والتهجير والتدمير.. قال لي صديق: "أخشى على هذا الشعب أن يصبح كله مدمن حشيش ومخدرات، مثلما كان الشعب الصيني في الخمسينيات من القرن الماضي" .. وقبل أيام تحدثت إلى نفس الصديق وذكرته بما قال سابقا وكيف أنه يتحقق اليوم، فأردف: "كل الأمور تحت السيطرة ما دام هؤلاء لا زالوا يتحدثون، الخشية أن يطبقوا ذلك على البث المباشر" .. يا إلهي …! هل لازلنا نرى أن الأسوأ لم يأت بعد ..؟ هكذا رددت عليه ..

خلال السنوات الثمانية الماضية، كل شيء تغير حولنا، بمن فيهم الأشخاص الذين كنا نعرفهم جيدا، وجولة سريعة على صفحات التواصل الاجتماعي، سوف تكتشف أن هؤلاء الأشخاص، أصبحوا يتصرفون ويكتبون أشياء وآراء، ما كنت لتتوقع أن تصدر عنهم .. وكأنهم لا "يحششون" فحسب، وإنما يتعاطون صنفا مضروبا من الحشيش.

وتقريبا جميعنا تغير، وأصبح يتصرف بأشياء لم يعتدها من قبل في سلوكه.. فمن منا خلال السنوات الثمانية الماضية، لم ينجر إلى حفلة شتائم رغما عنه، على إثر تعليق أو بوست كتبه..؟ ومن منا لم يتمنًّ لو أنه يملك صاروخا لكي يذهب إلى الشخص الذي شتمه، على بعد آلاف كيلو المترات، من أجل أن يلقنه درسا، في فن الملاكمة..؟ أكاد أن أكون على يقين، بأن الشعب السوري في أغلبه، أصبح عصبيا وموتورا، ويعاني من أعراض اكتئاب شديد، حتى لو بدا في الظاهر أنه تأقلم مع مأساته.

هذه الثورة باختصار، أسقطت أغلب الشعب السوري في مستنقع آسن، بدءا من بشار الأسد وانتهاء بأبو عمشة، ومرورا بالكتاب والمفكرين والشعراء وقادة الرأي والسياسيين والأكاديميين والناس العاديين.

والخطير في الموضوع، هو سقوط الكبار أمام أعين الصغار .. الأب أمام أولاده، والمدرس الجامعي أمام طلابه والشيخ أمام مريديه .. إلخ، والأخطر من ذلك، أن من يسقط، من الصعب أن يعود إلى سابق مكانته، فكم من الأسماء مرت على هذه الثورة في بدايتها، ثم توارت واختفت، على إثر سقطة أو هفوة كبيرة، وذلك بعد أن احتفت الناس بها … أين أصبح هؤلاء اليوم..؟ والأسماء أكثر من أن تعد وتحصى..

للأسف، هناك تساوي مخيف على صفحات التواصل الاجتماعي، فلن تجد فارقا كبيرا بين نجار الباطون والبروفيسور في الجامعة، إلا في اللغة، أما الانفعالات فهي واحدة، وهو على الأغلب ما يدفع البعض لأن يتجرأ ويخرج ويقول ما يشاء، بعيدا عن أي حسابات خاصة..

ولا يوجد إلا قلة قليلة من استطاعت أن تنجو من السفاهة، والسفسطة، التي نشاهدها اليوم، وهؤلاء الأشخاص أغبطهم من كل قلبي، على الرغم من أنني أجد صعوبة في البحث عنهم.

*من كتاب "زمان الوصل"
(213)    هل أعجبتك المقالة (227)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي