أجد متعة خاصة في أن أقرأ رسائل القراء تعليقاً على مقالات كبار الكتاب في «الشرق الأوسط». وهي تتراوح بين الحب الشديد واللامبالاة والقرف، وأرى أن القرف ليس الكاتب هو سببه المباشر، وانما هي حياة الناس في كل مكان. وقد اخترت مقالا جيدا لأحد كبار الكتاب. وقرأت التعليقات عليه. لا بأس. فبعض الرسائل توضح وتضيف, وبعض الرسائل لا قدرة لها على ذلك, وانما هي تنتهز هذه الفرصة لتقول كلاماً آخر لا علاقة له بالكاتب..
وفي نيتي أن أكتب دراسة عن الذي يراه القراء في كاتب معين أو في إحدى القضايا. وعندي نظرية: أننا نحن الكتاب لا نعرف كل شيء، ولا نفهم في كل شيء، ولسنا قادرين على الكثير مما يظنه القراء.. ولو عرف القراء أن الكاتب مثلهم على باب الله، ما كتبوا ولا كانت كتابتهم بهذه القسوة أو بهذا السخاء. إن هناك وهماً كبيراً بلغنا جميعاً فلا نكون على حقيقتنا.. وهم الذين أجلسونا على العروش وأعطونا الصولجان وفصل الخطاب. هم ولسنا نحن. ومن أوهامنا المشتركة تتولد هذه الألفة أو هذه المحبة أو هذا (العشم)..
وعند الإغريق أسطورة تقول إن الفنان زويكسس كان يرسم لوحات بديعة. من بين هذه اللوحات واحدة عن الفاكهة. وقد أسعد الفنان أن يجد العصافير تحط على اللوحة وتنقر الفاكهة ـ إلى هذه الدرجة كانت اللوحة طبيعية حتى خيل للعصافير أنها حقيقية. وقد ظل الفنان يضحك سعيداً بما فعلته العصافير حتى مات!
فالفنان سعيد بأن يكون له صدى أو هذا الصدى.. وهذا الفنان زويكسس قد رسم قبل ذلك لوحات أجمل، ولم يكن لها هذا الأثر.. إما لأن اللوحة كانت عميقة أو غامضة أو سيريالية.. فلم تقترب منها العصافير، وإما أنها كانت صادقة ولكن العصافير لا تحب هذا النوع من الفاكهة..
والفنان والكاتب يسعده أن يكون له صدى.. أثر.. أن يكتب عنه القارئ ويقول.. وهم يقولون.. والكتاب يكتبون والعصافير تروح وتجيء.. وهذه حياتنا!
ما الذي تراه العصافير؟... أنيس منصور
الشرق الأوسط
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية