باتت إيران بفضل سياسات عرب المشرق قوة حقيقية في المنطقة، منتقلة من مرحلة الحلم، الحلم الإمبراطوري الفارسي بالوصول إلى المتوسط وجعل العراق تحت إدارتها المباشرة كما هو حاله أيام الإمبراطوريات الكسروية البائدة، وتحويله من قوة يفترض أنها منافسة، إلى قاعدة انطلاق لمشاريعها باتجاه الغرب والجنوب، حيث سوريا واليمن.
انتهت إيران من مرحلة الحلم، وبدأت بجعله أمراً واقعاً، عبر القوة العسكرية المتمثلة بالميليشيات الموالية لها في بلاد الشام والعراق واليمن، إلا أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لتحقيق النفوذ الحقيقي ما لم تتوافق عليه سياسيا القوة الحقيقية الحاكمة للعالم، توافق عادة ما تحكمه المصالح السياسية والاقتصادية إضافة لوقائع الأرض، والأخيرة هي أقوى أوراق إيران، فهي قادرة على تحويل المنطقة لكتلة نار، مثلما هددت بذلك على لسان حسن نصر الله، القادر على اجتياح بيروت في الوقت الذي يشاء، وسبق أن حصل ذلك في أيار من العام 2007، عندما سقطت العاصمة اللبنانية بيده خلال أقل من ثلاث ساعات. القوة العسكرية الإيرانية خارج حدودها، قد لا تكون بالقوة العسكرية الهائلة، ولكنها في الوقت نفسه ليست بالقوة التي يستهان بها في ميزان قوى المنطقة، فميليشيات الحشد العراقي الذي أنشئ بفتوى طائفية، ليس أكثر من حاكم عسكري إيراني للعراق، قادر على التمدد في سوريا، وهو ما فعله، مثلما هو قادر على إرباك الحدود السعودية العراقية، وتهديد الكويت كذلك، أو على الأقل خلق حالة إرباك لعموم دول الخليج العربي، أما في اليمن فتحولت القوة الإيرانية هناك من أداة تهديد للسعودية إلى أداة تهديد للإمارات أيضا عبر الطائرات المسيرة، ويبدو أن الإمارات تلقت الرسالة بجدية منتقلة هي الأخرى إلى استراتيجية جديدة في التعامل مع اليمن متخلية بذلك عن الشريك السعودي، بل والوقوف على النقيض منه في عدن، وقبل ذلك توقيعها اتفاق تعاون حدودي مع إيران في الوقت الذي كانت تأمل فيه السعودية أن يطلق صواريخ بارجاته باتجاه طهران على خلفية التصعيد في مضيق "هرمز"، وهذا ما لم يحصل، ولا يبدو أنه سيحصل، فالأمريكيون أكثر من يعرف حقيقة التوازنات في المنطقة وما قد يترتب على اشعال الحرب هناك وتداعياتها على سوق النفط والتجارة العالمي، كيف لا وترامب يدير القوة الأعظم في العالم بعقلية التاجر. الآن، الذين دفعوا المليارات، من عرب المشرق لشراء الأسلحة، مقابل صفقات سياسية محلية، هم في أضعف حالاتهم منذ سنين، أما إيران فنفذت على عمق المجتمع العربي في العراق أولا عبر مشروعها المذهبي، وسحبت منه كل عوامل قوته وحولته لبلد ينخره الفساد، وما حققته في السر، أو بشكل غير معلن، في سوريا قبل الثورة، بات اليوم على المكشوف احتلالا عسكريا مباشرا كما في دير الزور، وتغييرا ديمغرافيا في ريف دمشق وحمص، فيما تسبح شريحة سكانية كاملة في لبنان بحمد الولي الفقيه في طهران.
كان يمكن للذين يرتعدون خوفا من إيران ضرب الولي الفقيه بمقتل في سوريا واليمن، وإسقاطه في لبنان ومن ثم العراق كتحصيل حاصل، وإنهاء خطره لعقود عبر استثمار الربيع العربي وتحويله لإعصار حقيقي يطيح بإيران ويمهد لمرحلة جديدة في عموم المنطقة، ومن دون أن تهتز كراسيهم، لكنهم اختاروا أن يكونوا ريحا صفراء على شعوب المنطقة، لن تقيهم شر "الموت القادم من الشرق" حين لا ينفع الندم.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية