أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حين لا ينفع الندم.. حسين الزعبي*

أرشيف

باتت إيران بفضل سياسات عرب المشرق قوة حقيقية في المنطقة، منتقلة من مرحلة الحلم، ‏الحلم الإمبراطوري الفارسي بالوصول إلى المتوسط وجعل العراق تحت إدارتها المباشرة كما ‏هو حاله أيام الإمبراطوريات الكسروية البائدة، وتحويله من قوة يفترض أنها منافسة، إلى ‏قاعدة انطلاق لمشاريعها باتجاه الغرب والجنوب، حيث سوريا واليمن.

انتهت إيران من مرحلة الحلم، وبدأت بجعله أمراً واقعاً، عبر القوة العسكرية المتمثلة ‏بالميليشيات الموالية لها في بلاد الشام والعراق واليمن، إلا أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي ‏لتحقيق النفوذ الحقيقي ما لم تتوافق عليه سياسيا القوة الحقيقية الحاكمة للعالم، توافق عادة ما ‏تحكمه المصالح السياسية والاقتصادية إضافة لوقائع الأرض، والأخيرة هي أقوى أوراق ‏إيران، فهي قادرة على تحويل المنطقة لكتلة نار، مثلما هددت بذلك على لسان حسن نصر ‏الله، القادر على اجتياح بيروت في الوقت الذي يشاء، وسبق أن حصل ذلك في أيار من العام ‏‏2007، عندما سقطت العاصمة اللبنانية بيده خلال أقل من ثلاث ساعات.‏ القوة العسكرية الإيرانية خارج حدودها، قد لا تكون بالقوة العسكرية الهائلة، ولكنها في الوقت ‏نفسه ليست بالقوة التي يستهان بها في ميزان قوى المنطقة، فميليشيات الحشد العراقي الذي ‏أنشئ بفتوى طائفية، ليس أكثر من حاكم عسكري إيراني للعراق، قادر على التمدد في ‏سوريا، وهو ما فعله، مثلما هو قادر على إرباك الحدود السعودية العراقية، وتهديد الكويت ‏كذلك، أو على الأقل خلق حالة إرباك لعموم دول الخليج العربي، أما في اليمن فتحولت القوة ‏الإيرانية هناك من أداة تهديد للسعودية إلى أداة تهديد للإمارات أيضا عبر الطائرات المسيرة، ‏ويبدو أن الإمارات تلقت الرسالة بجدية منتقلة هي الأخرى إلى استراتيجية جديدة في التعامل ‏مع اليمن متخلية بذلك عن الشريك السعودي، بل والوقوف على النقيض منه في عدن، وقبل ‏ذلك توقيعها اتفاق تعاون حدودي مع إيران في الوقت الذي كانت تأمل فيه السعودية أن يطلق ‏صواريخ بارجاته باتجاه طهران على خلفية التصعيد في مضيق "هرمز"، وهذا ما لم يحصل، ‏ولا يبدو أنه سيحصل، فالأمريكيون أكثر من يعرف حقيقة التوازنات في المنطقة وما قد ‏يترتب على اشعال الحرب هناك وتداعياتها على سوق النفط والتجارة العالمي، كيف لا ‏وترامب يدير القوة الأعظم في العالم بعقلية التاجر.‏ الآن، الذين دفعوا المليارات، من عرب المشرق لشراء الأسلحة، مقابل صفقات سياسية ‏محلية، هم في أضعف حالاتهم منذ سنين، أما إيران فنفذت على عمق المجتمع العربي في ‏العراق أولا عبر مشروعها المذهبي، وسحبت منه كل عوامل قوته وحولته لبلد ينخره الفساد، ‏وما حققته في السر، أو بشكل غير معلن، في سوريا قبل الثورة، بات اليوم على المكشوف ‏احتلالا عسكريا مباشرا كما في دير الزور، وتغييرا ديمغرافيا في ريف دمشق وحمص، فيما ‏تسبح شريحة سكانية كاملة في لبنان بحمد الولي الفقيه في طهران.‏

كان يمكن للذين يرتعدون خوفا من إيران ضرب الولي الفقيه بمقتل في سوريا واليمن، ‏وإسقاطه في لبنان ومن ثم العراق كتحصيل حاصل، وإنهاء خطره لعقود عبر استثمار الربيع ‏العربي وتحويله لإعصار حقيقي يطيح بإيران ويمهد لمرحلة جديدة في عموم المنطقة، ومن ‏دون أن تهتز كراسيهم، لكنهم اختاروا أن يكونوا ريحا صفراء على شعوب المنطقة، لن تقيهم ‏شر "الموت القادم من الشرق" حين لا ينفع الندم.

*من كتاب "زمان الوصل"
(193)    هل أعجبتك المقالة (196)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي