أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا الـمُقبرصَة... ماهر شرف الدين*

إنَّ "ممرّ السلام" التركي في شمالي سوريا هو في حقيقة الأمر ممرَّات عديدة

ما إن استعمل "مجلس الأمن القومي التركي"، في بيانه الصادر بتاريخ 30 تمّوز 2019، تعبيرَ "ممرّ السلام"، لوصف العملية العسكرية التي تعتزم تركيا تنفيذها في شمالي سوريا، حتى قرنتْ بعض وسائل الإعلام التركية هذا الاسم باسمٍ آخر، هو "عملية السلام"، الذي كان كنايةً عن عملية عسكرية تركية نُفِّذت في شمالي جزيرة قبرص سنة 1974، وأدَّت إلى تقسيم الجزيرة لقسمَيْن: قبرص التركية وقبرص اليونانية.

وعلى الرغم من أنَّ المقارنة التاريخية بين "عملية السلام" في قبرص و"ممرّ السلام" في سوريا، ستكشف عن تباينات عديدة، لا تبدأ بأنَّ الأُولى جاءت دفاعاً عن أقلّية في وجه أكثرية، بينما تجيء الثانية دفاعاً عن أكثرية في وجه أقلّية، ولا تنتهي بأنَّ الأُولى حصلت خلال حالة فوضى وأعمال عنف في قبرص، بينما الثانية ستحصل (إن حصلت) خلال حالة مذبحة شاملة ما زالت قائمة في سوريا... إلا أنَّ روح الهدف ذاتها ماثلةٌ في العمليتَيْن.

فمنذ التدخُّل الروسي الحاسم لمصلحة نظام الأسد، والذي قَلَبَ الموازين، صار واضحاً بأنَّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان خسرَ حلمه بالصلاة في الجامع الأموي بدمشق، وصار يتصرَّف بناءً على هذه الخسارة، محاولاً تقليصها إلى الحدّ الأدنى، عبر الحصول على حصَّةٍ تركيَّةٍ من الكعكة التي تناهبتها الدول.

ولم يعد من ممرّ إلى هذه الحصَّة إلَّا "ممرّ السلام"، الذي سيكون حرباً عسكريةً، تتبعها حربٌ ديموغرافيةٌ، فحربٌ سياسيةٌ، وربما قانونية دولية أيضاً تتعلَّق بالأراضي والحدود.

فمن الواضح أنَّ "ممرّ السلام" هو في حقيقة الأمر ممرَّات عديدة:

فهو أوَّلاً ممرّ عسكريّ للقضاء على المشروع الكُردي الناشئ في الشمال السوري الرخو.

وهو ثانياً ممرّ ديموغرافي يريد الاستفادة من حالة الشتات والتهجير لتركيز أعداد السوريين العرب في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الكُردية.

وهو ثالثاً ممرّ لإعادة اللاجئين السوريين في تركيا، والذين فاضت أخبار ترحيلهم المأساوي على المشهد التركي، بقرار حاسم من أردوغان الذي أدرك، متأخّراً، بأنَّ خصومه أجادوا استعمال قضية هؤلاء اللاجئين لنزع بلدية إسطنبول منه، كمقدّمة لنزع الحكم كلّه.

وهو رابعاً ممرّ ليكون لتركيا دور أساسي في تقرير شكل النظام السياسي المستقبليّ في سوريا.

وهو خامساً ممرّ لعودة تركيا إلى الأراضي التي ما زال حَمَلة "الهوى العثماني" يجادلون بحقّ دولتهم فيها.

لا نعلم مدى قدرة تركيا على تنفيذ ما تعتزم القيام به، فدون ذلك تحدّيات كبرى ومفاجآت لا يمكن أن تكون سارَّةً في ظلّ الحجم الكبير للمشروع.

وما يُفاقم الوضع بالنسبة إلى الأتراك هو المراوغة الأميركية في التفاوض معهم.

فقد أخطأ الرئيس التركي خطأً فادحاً حين طالب الأميركيين، مراراً، بالاختيار بين الدولة (أي تركيا) والميليشيا (أي "قسد"). لأن الأميركيين لا ينظرون إلى "قسد" كميليشيا، بل كمشروع. وبهذا المعنى يكون الخيار الأميركي -ومن خلفه الإسرائيلي طبعاً- ليس اختياراً بين دولة كبيرة وميليشيا صغيرة، بل بين دولة كبيرة ومشروع كبير.

فقد بات مؤكَّداً أنَّ الكيان الكُردي الناشئ في الشمال السوري هو حجر الزاوية في الحلم الإسرائيلي بتقسيم سوريا.

ولذلك لن يتمّ التسليم، إسرائيلياً وأميركياً، لتركيا بسهولةٍ من أجل إقامة مشروعها الـمُسمَّى "ممرّ السلام"، إلا إذا ضمن هذا المشروع ما يُوفّره المشروع الكُردي من ركائز لتنفيذ عملية التقسيم.

*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(217)    هل أعجبتك المقالة (227)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي