يقف السوري اليوم أمام أقداره المحتومة وباتفاقات دولية وإقليمية تقضي أن يكون محكوماً بين خيارات قاتلة، وهي إما النظام والاحتلالات الأخرى أو التنظيمات الإرهابية بكافة أنواعها المعتدلة والوسيطة والمتشددة والعلمانية، وأحياناً عليه أن يقبل بها جميعاً.
أمريكا منذ أيام ترسل تقاريرها عن إمكانية عودة تنظيم داعش إلى سوريا والعراق، وعن امتلاكه مئات الملايين من الدولارات التي تجعل منه خطراً قائماً، وأن كل ما قيل عن زوال خطره ليس سوى مطلب مرحلي كان تقتضيه تقلبات المناورات السياسية لا أكثر، ويبدو أن الحاجة ملحة الآن لإعادة التلويح بداعش من أجل دعم أطراف أخرى وتسليحها، وهذا يأتي في إطار الاتفاقات الدولية الجديدة حول سورية ومناطق النفوذ فيها.
تحت هذه التوافقات الدولية تتصارع الأذرع التي تتحرك لخدمتها وإن كان بعضها يشعر بعدم الرضا، أو الرضا كأهون الحلول، والصمت ريثما تصبح هذه الاتفاقات أمراً واقعاً لأن أرض الواقع حكمت بالفشل على مثل هذه التوافقات، وخصوصاً أن كل الأطراف تعتريها عدم الثقة بنوايا الشركاء، وأما الأطراف المحلية بما فيها النظام فهي لا تملك القرار حتى في بقائها آمنة لذلك ما يصدر عنها من مواقف لا يلقى أي احترام أو تصديق ممن هم في حكمها.
وفي الحديث الآني عن اتفاق تركي امريكي حول المنطقة الآمنة، ومدى تأثيرها على القضية السورية، وجدواها للأطراف الدولية المتنازعة ما يهم السوري المنهك - والذي يعاني في الداخل والخارج- كيف ستنعكس عليه هذه الاتفاقية، وهل فعلاً ستعيد إليه أمنه واستقراره في كونه بات منفياً ومهجراً ومطروداً.
الأكراد هم الطرف الذي يرى في الاتفاق حسب بعض المحللين محاولة اقتلاع سلمية لهم في حال توسع الاتفاق التركي الأمريكي، وأن هذا يستلزم أمران في أولها المقاومة وآخرها الاتفاق مع النظام كخيار أفضل من الانضواء تحت الراية التركية أو من يمثلها.
المعارضة لا تملك خيارات الرفض والموافقة في هذه الواقعة، وربما ترى فيه تعزيزاً لوجودها مع تردي حالتها السياسية والعسكرية حتى لو كان ذلك تحت راية أكبر، وفرصة لمناورة النظام سياسياً وعسكرياً وبالتالي الوصول إلى حال أفضل مما هي فيه.
النظام رفض هذا الاتفاق واعتبره تعزيزاً للاحتلال التركي لأراضٍ سورية، ويساهم في تفكيك البلاد، وبعض الموالين له طالبوا بالحرب ضد (العصملي) واستعادة لواء اسكندرون، وآخرون منهم ردوا بالتهكم على فكرة الرفض التي ما زال يردها النظام مع من أسموهم بالاحتلالات من اسرائيل إلى تركيا حيث يكتفي فقط بالتهديد والوعيد وإصدار البيانات.
الخاسرون خلال سنوات الدم السوري الطويلة هم الناس الذين يأملون في أن يحقق لهم هذا الاتفاق بعضاً من أمنهم بعد أن تمت ملاحقتهم من كل الأطراف المتقاتلة حتى تلك التي تنسب لهم الفضل في وجودها، ومع ذلك هم -ولهم الحق في ذلك- مرتابون ولا يصدقون أحداً.. فتجاربهم مع الاتفاقات والهدن غالباً ما تأتي بمجازر أكبر وتهجير جديد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية