شرّدت الحرب الدائرة في سورية أهل البلاد، فلجأ بعضهم إلى الخارج فيما نزح بعض آخر في الداخل، وبالتالي تشتت أفراد العائلة الواحدة في أكثر من بقعة في المعمورة وحُرم كثيرون من اللقاء، لا سيّما أنّ تنقلهم من بلد إلى آخر صار أمراً صعباً في ظلّ التشديد على حركتهم من قبل الدول المضيفة أو غير ذلك.
أحمد شاهين (37 عاماً) من دمشق، نجح أخيراً في لقاء والدَيه بعد نحو سبعة أعوام من الفراق القسري، في مكّة المكرّمة. يخبر "العربي الجديد" أنّه "في ذلك الحين، اتّخذت قرار مغادرة سورية واللجوء إلى تركيا، عقب تعرّضي مرّات عدّة للاعتقال وتهديدي بأنّني سوف اعتقل من جديد ولن أخرج أبداً من السجن". يضيف أنّه "في المرّة الأخيرة التي التقيت فيها والدَيّ، لم يتخطّ ذلك اللقاء نصف ساعة من الوقت قضيناها في البكاء والدعاء"، مشيراً إلى أنّ "والدَيّ توجّها بعد ذلك مع أشقائي الأربعة إلى لبنان. ومن بين هؤلاء من وصل إلى أوروبا".
ويلفت الشامي إلى أنّ "ما ينغّص علينا اللقاء اليوم، هو عدم تمكّن أخينا الأصغر الذي لجأ إلى إحدى الدول الأوروبية من الحجّ". ويتابع أنّه "منذ وصولنا إلى مكّة المكرمة، نلازم بعضنا ونستعيد شريط حياتنا مذ كنّا طفلَين صغيرَين، ونضحك على بعض المواقف والأحداث ونترحّم على تلك الأيام وندعو الله أن يجمع شمل عائلتنا كلها من جديد. لكنّنا لا نكفّ عن التساؤل حول تمكّننا من اللقاء مجدداً، إذ إنّ الحجّ ليس متاحاً لنا في كلّ عام. ونأمل ألا تمضي هذه الأيام سريعاً".
أمّا عبد الله محمد (47 عاماً)، وهو من حمص، فتوجّه لأداء فريضة الحجّ من دون أن يضرب موعداً لأيّ من أهله. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه لم يتوقّع رؤية أيّ من أقاربه في مكّة المكرّمة، موضحاً "أتيت أحج بيت الله الحرام عن روح أبي، فهو توفي قبل عامَين في سورية ولم تُتَح لي فرصة القيام بواجبي تجاهه. كذلك لم أتمكّن من حمل نعشه، وهو قهر لن يزول حتى مماتي". يضيف محمد: "لم يمضِ على وجودي في مكّة ساعات، حتى راح أحدهم يربت على كتفي ويقول: عبد الله؟! نظرت إليه فوجدت أنّه ابن عمّي فارس. شعرت حينها كأنّني رأيت والدي وكل أهلي، علماً أنّ أخبار فارس كانت قد انقطعت عنّي منذ نحو ستة أعوام. فتعانقنا طويلاً من دون التفوّه بأيّ كلمة، في حين راح شريط عمري يمرّ في ذهني، ورأيتنا نلعب أمام منزل جدّنا". ويتابع عبد الله: "جلسنا لوقت طويل، فسألني عن أخباري وسألته عن أهل بلدتنا، الكبار والصغار، ومن تزوج ومن أنجب ومن مات. فاستغرب قائلاً: تتذكر كل هؤلاء الأشخاص! أنا أعيش بينهم ولست على دراية بأحوالهم". ويشير محمد إلى أنّ "القهر يجعلك تستعيد ذكرياتك بأصغر تفاصيلها".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية