بعد أن تطرقنا في الحلقة السابقة إلى ما سُميّ (قانون حماية الثورة)، وأظهرنا الصفة القمعية التي وصمتهُ تحت شعار المحافظة على المكتسبات الاشتراكية، نفرد هذه الحلقة للحديث عن قانونٍ آخر يحملُ ذاتَ الصبغة القمعية، وهو قانون حالة الطوارئ رقم 2 لعام 1963.
لم تكن مصادفةً أن تعلن حالة الطوارئ، وتفرض الأحكام العرفية في سوريا في نفس اليوم الذي قام فيه حزبُ البعث العربي الاشتراكي بانقلابه العسكري الذي قاده إلى السلطة في 8 آذار من عام 1963، ذلك أن حالة الطوارئ إنما فرضها الانقلابيون البعثيون لتمكينهم من احتكار السلطة لما تفرضه حالة الطوارئ من قيود ٍشديدةٍ، وإجراءات قمعية تطال الأشخاص والحريات والأملاك، وبالتالي تمكنهم من التشبث بالسلطة.
والطوارئ نظام قانوني تقره جميع الدول في العصر الحديث، ولكنها هي استثناء من الأصل، إذ إنه لا يجب الإعلان عنها إلا عندما تواجه الدولةُ ظروفاً طارئة وغير عادية (كحالة الحرب والكوارث والأوبئة)، حيث تتطلب مواجهتها من الدولة اتخاذ إجراءات مستعجلة واستثنائية ومؤقتة تنتهي بانتهاء تلك الظروف، إلا في سوريا التي أُخضعت لحالة الطوارئ قرابة نصف قرن. ولعل خطورة حالة الطوارئ تتأتّى من الصلاحيات الواسعة جداً الممنوحة للسلطة التنفيذية (الحاكم العرفي أو نائبه) مقابل انحسارسلطة القضاء، بحيث يمسي الحاكم العرفي بمثابة الحاكم بأمره لامعقّب على قرارته، إذ يحقُّ له وفقاً للمادة الرابعة من قانون حالة الطوارئ:
1- وضع قيود على حرية الأشخاص بالاجتماع والتنقل والإقامة والمرور في أوقات معينة، وتوقيف "المشتبه" بخطورتهم على الأمن والنظام العام توقيفاً احتياطياً غير محدد المدة، وتفتيش الأماكن والأشخاص في أي وقت وذلك لمجرد الظن والاشتباه فقط.
2- وضع قوى الأمن الداخلي والخارجي تحت تصرف الحاكم العرفي.3-مراقبة الاتصالات الهاتفية والبريدية وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلام والمطبوعات قبل نشرها وطبعها، والحق في تعطيلها أو مصادرتها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها.
4-مصادرة الأملاك ودور السكن بحجة الدواعي الأمنية، كما حصل لدى مصادرة أملاك وعقارات المنتسبين لحزب الإخوان المسلمين.
من استعراض تلك الصلاحيات يتبين لنا مدى فداحة الآثار السلبية التي تنصبّ على حقوق الإنسان كحرية الأشخاص والرأي والتعبير والاجتماع، بحيث تمكّن النظام الحاكم من اعتقال وقمع أي معارض أو مخالف له بحجة أن البلاد تمرّ بحالة طوارئ.
وليس بخافٍ على أحدٍ أن الفروع الأمنية في سوريا تعج بالمئات من أوامر التوقيف العرفي الفارغة البيانات والموقعة من الحاكم العرفي أونائبه والتي لا تحتاج سوى لذكر اسم من يريدون اعتقاله.
ومما لا بد من ذكره أن حالة الطوارئ في سوريا غير قانونية ولا دستورية وذلك لأنها: فرضت من قبل جهة غير مختصة، إذ إن الدستور يوجب صدورها من قبل رئيس مجلس الوزراء، في حين فرضها ضباط الانقلاب البعثي بموجب القرار رقم (2) الصادر عمّا سمي مجلس قيادة الثورة، كما أنها لم تُعرض على البرلمان من أجل المصادقة عليها حسبما تقضي نصوص إعلان حالة الطوارئ، إضافةً إلى أن حالة الطوارئ منقضية زمنياً، وذلك لانقضاء الحالة التي أُعلنت من أجلها، وهي تغيير السلطة في 8 آذار عام 1963.
وبالرغم من أيلولة السلطة في سوريا لحزب البعث، إلا أنه أبقى حالة الطوارئ سارية، الأمر الذي يؤكد أن الغاية منها لم تكن سوى الاستئثار بالحكم وقمع كل مخالف أو معارض له.
ولم تُلغَ حالة الطوارئ في سوريا إلا في شهر نيسان من عام 2011 إثر الاحتجاجات الشعبية العارمة، لكن النظام البعثي استبدله بما هو أعتى وأدهى منه وهو قانون "مكافحة الإرهاب" لقمع ذلك الحراك الشعبي.
*سليمان النحيلي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية