"من يكتب حكايته يرث أرض الكلام ويملك المعنى تماماً"، بهذه الكلمات المعبرة يقدم المخرج السوري الشاب "تيم السيوفي" فيلمه الوثائقي القصير "دوما تحت الأرض".
ويحكي الفيلم وهو من إنتاج "مؤسسة بدايات للفنون السمعية البصرية" بالتعاون مع مجموعة "رسل" عن حياة أهالي "دوما" داخل الملاجئ وفي ظل الحصار والخوف والجوع الذي عاشوه لسنوات.
ونالت المدينة النصيب الأكبر من قصف النظام على الغوطة، حيث وقعت فيها العديد من المجازر أكبرها تلك التي استهدفت سوقها في 16 آب ـ أغسطس 2015، و قتل فيها أكثر من 110 أشخاص وأصيب 300 آخرون.
ولد "تيم السيوفي" في مدينة "دوما"، بريف دمشق عام 1994، بدأ دراسة هندسة الصوت والموسيقى عام 2009 ولم يتّمها بسـبب الحصار الذي فُرض على المدينة والغوطة الشـرقية، وعمل كمدير ومهندس صوت لاستديو "رسل" في مدينة "دوما" 2014.
بعد بداية عمله الصحفي كمصـور ميداني عام 2013 سـاهم تيم بنقل الصورة من قلب الغوطة الشـرقية لعـدد كبير من وكالات الأنباء، وعمل كمدير تصوير في عدد من الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة كان آخرها الفيلم الوثائقي الطويل "لسـه عم تسـجل" (2018) ولديه كتاب بعنوان "سلامات من إدلب" يضم ما يقارب 120 صورة التقط قسماً في الغوطة والقسم الآخر في إدلب. ويحكي عن قصص الناس وكيف كانوا يعيشون في الغوطة، وكيف يعيشون حالياً في إدلب بعيداً عن القصف أو الأخبار الساخنة التي تنتقل يومياً.
وحول فيلمه الجديد "دوما تحت الأرض" الذي من المتوقع أن يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان "لوكارنو" الدولي في سويسرا، أشار "السيوفي" في حديث لـ"زمان الوصل" إلى أن فكرة الفيلم جاءته حينما لمس أن ناشطي الغوطة كانوا يحاولون نقل القصف والأحداث التي تجري خلال الحملة الأخيرة وحينها -كما يقول- كان يحاول أن ينقل شيئاً ليوثّق فيما بعد، وكيف كان المدنيون يعيشون تحت الأرض، ونقل معاناة الحصار والجوع والافتقار لأدني مستلزمات الحياة الإنسانية.
وأردف محدثنا أن هدفه كان أن ينقل ما يحدث بطريقة بعيدة عن النقل الميداني، وكيفية تعايش هؤلاء المحاصرين وتواصلهم مع بعضهم البعض، ووطأة تعميم المراصد لقدوم طيران يريد استهداف المنطقة التي يقع فيها الملجأ، وكيف تبدو وجوههم، وكيفية تعاملهم مع تلقي الصدمة من احتمال تدمير المكان.
وتمسّك -كما يقول- بكاميرته وحاول تصوير ما لا يستطيع التعبير عنه بالكلمات.

تمكن تيم من تصوير مئات الساعات داخل "دوما" وملاجئها إلى أن خرج ضمن رحلة التهجير القسري إلى شمال سوريا، وهناك وجد أن الوقت قد حان لإنجاز شيء بهذا الأرشيف الذي صوره، وتواصل -كما يقول- مع "مؤسسة بدايات للفنون السمعية البصرية".
واتفق معهم على إنجاز فيلم قصير، ورغم أن المواد التي بحوزته تصلح لإنجاز فيلم طويل إلا أنه آثر –كما يقول- في إنجاز فيلم قصير لأن الفيلم الطويل يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين وخروج من جو الحرب والحصار في الغوطة الذي لازمه إلى أرض النزوح.
وكشف محدثنا أن ما يقارب 23 شخصاً من بينهم الأطفال "عمران" و"غياث" ممن قام بتصويرهم داخل أحد الملاجئ ماتوا بعد أيام من تصويرهم بغارة طيران حربي على مدينة "دوما" واحترقت جثثهم ولم يتم التعرف على أحد منهم للأسف.
ونوّه المصدر إلى أنه واجه العديد من الصعوبات والتحديات أثناء إنجاز مواد فيلمه داخل الملجأ، ومنها تأمين مساحة ذاكرة لحفظ المقاطع الكثيرة التي التقطها وبسبب حصار الغوطة كان من الصعوبة تأمين هاردات، وكذلك موضوع الشحن بسبب انقطاع الكهرباء الدائم، غير أن الصعوبة الأكبر –كما يقول- كانت في إخراج المواد التي صورها من الغوطة، كاشفاً أنه مرّ على العديد من حواجز النظام وتم تفتيش قوافل التهجير القسري، خصوصاً أن النظام كان يعتبر موضوع التصوير والتوثيق أكثر خطورة من السلاح ومع ذلك تمكن من تهريبها إلى ريف إدلب.
استغرق إنجاز فيلم "دوما تحت الأرض" حوالي 6 أشهر وكان على تيم أن يشاهد المواد التي صورها برمتها ليختار منها ما يناسب، وهذا فرض عليه ـ حسب قوله- أن يعيش واقعاً أليماً عاشه من قبل، وكشف أنه كان كل مرة يسترجع المقاطع التي صورها في ظل الحرب والحصار بالغوطة يشعر وكأنه يستنشق رائحة دم محروق مع رائحة الجثث، مما جعله يتناول أدوية نفسية للعلاج من هذه الحالة.
ولفت المخرج الشاب إلى أن ما يشغله على المستوى الفني هو محاولة تحويل الأرشيف الذي يملكه إلى عين وفيلم أو منصة إعلامية ليرى الناس مالذي كان يجري في الغوطة الشرقية في ظل التعتيم الإعلامي، وكذلك نشر القصص المتسلسلة التي صورها منذ بداية العام 2012 ويوميات القصف والتهجير بطريقة فنية، معبراً عن طموحه بدراسة السينما بشكل أكاديمي وإكمال دراسته في هندسة الأصوات وأن لا يعيش واقع قصف كالذي عاشه في الغوطة لأنه "كان واقعاً مؤلماً بكل معنى الكلمة".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية