ليس من جديد ولا أي تقدم بملفي اللجنة الدستورية وقضية المعتقلين، ما يعني عملياً أن اجتماعات أستانة 13 لم تخرج بمفيد، بما في ذلك وقف إطلاق النار، لأنه جاء مشروطاً وفخاً لا يختلف كثيراً عن محاولات شراء الوقت خلال الجولات السابقة، وتأهيل من تبقى من "الشاجبين" لإراقة دماء السوريين، ليعتادوا كما سواهم، أن لا ثمن للدم السوري ولا عقاب يلحق زاهقيه، فشماعة ملاحقة المتطرفين والقضاء على الإرهاب، نغمة مطربة وعباءة واسعة، يمكن عبرها، قتل الأطفال وتهديم المشافي وتهجير من تبقى من السوريين.
دونما الدخول بمتاهات، هل يذهب السوريون للتفاوض مع وفد الأسد، عبر وسطاء وضامنين، لطالما لا جدوى ولا نتائج لصالح الثورة والسوريين تتحقق، وكل ما في الأمر، مزيد من شرعنة القتلة ومنح وقت للاستمرار بقضم الأراضي وقتل السوريين.
في المقلب الآخر، ومن نظر البعض على الأقل، إن ذهب المفاوضون أم لم يذهبوا سواء، فقضية السوريين تم بيعها لسواهم منذ أمد، وما الذهاب سوى "برستيج" لتكتمل لعبة حرف الثورة ومن ثم قتل حلم السوريين بالحرية والكرامة. ما يعني حضور التفاوض ربما يوصل بعض الصوت لمن تبقى عنده ضمير وإنسانية، كالذي رأيناه خلال المؤتمر الصحافي قبل يومين بأستانة، من عرض لمشاهد التدمير والقتل، بحجة مكافحة الإرهاب، ويوصل ـ الحضور- وإن مشوهاً، أن ثمة سوريين مازالوا على ضفة المعارضة، يسعون لحرية السوريين والتوصل لحلول سياسية، لطالما اتفق العالم الديمقراطي بعد دعمه الحرب، أن لا حل عسكريا للقضية السورية.
والسؤال بواقع الخيبة من الضامنين وتكرر الإشارات عن توافق، إن لم نقل اتفاقاً روسياً أمريكياً لكل ما يجري وسيجري، ما هو الحل؟!
أول القول والاعتراف ربما، هل ما تسمى "مناطق محررة" هي محررة فعلاً أم تراها، أو معظمها على الأقل، تعاني من استقواء حملة السلاح وخيبة أمل السوريين لعدم عيشهم بنعيم التحرير، ولم يزل القرار في جله هناك، للغرباء، سواء المندسين بين الثوار أو الرعاة والممولين الذين يزجون بأهلنا بحروب بالوكالة، ليحققوا مكاسب داخلية لبلادهم ويقوون مواقفهم على طاولات التفاوض.
وربما أكثر، ألن يعطي سلوك وتصريحات "المجاهدين" وللعالم أجمع، ذريعة لقتل أهلنا، وخاصة بعد ما سميّ مذكرة 17 سبتمبر/ أيلول 2018 والاتفاق حتى بمجلس الأمن، على تنفيذها والقضاء على الإرهاب.
ومحاولة الإجابة على هذا السؤال، على غاية من الأهمية ما يضعه كمرتكز للمتابعة وعلى غير صعيد وإجراء.
وأما ضرورة استعراض الواقع ونتائج جولات التفاوض السابقة، فهو لا يقل أهمية عن المرتكز السابق.
بمعنى، هل تم التزام نظام الأسد وروسيا، أو الدول التي تعهدت حماية المدنيين السوريين، عبر مناطق خفض التصعيد على وجه التحديد. أم، ولنا بالغوطة وحمص ومناطق المصالحات عبراً، وكل ما في الأمر، شراء وقت وذمم وإبرام صفقات وتسويات حتى يبسط الأسد عبر شركائه الروس والإيرانين، سيطرته على ما تبقى من محرر، قبل البدء بالصفقة الكبرى عام 2021، وإعادة إنتاجه كقاهر الإرهاب وحامي الأقليات، ليتابع بفترة رئاسية وراثية رابعة.
إذاً، وبواقع تلك المرتكزات وغيرها، مما يضعف موقف المعارضة ويرمي بحلم السوريين لحدود التلاشي، خاصة بعد بدء استخدام "التضييق على اللاجئين" وبكل دول العالم، كورقة إضافية لخنق الأحلام وتبدل مواقف "أصدقاء الشعب السوري" إلى أبعد، من الضغط بالتمويل وتجاهل القتل وإغلاق الحدود بوجه الهاربين من الموت.
أعتقد أولاً بضرورة قبول التفاوض، خاصة أن الجولة 14 من أستانة على الأبواب، ولكن بوفد غير الذي رأيناه ورؤية غير التي شاهدناها وشروط غير التي سمعناها. وفد يضع على الطاولة ما يوازي حجج وأضاليل بشار الجعفري، وفد لديه من الاستقلالية ما يقول للضامنين ما يجب أن يقال، وفد لديه من القدرة والتواصل، ما يعرّي جرائم الروس لا شكرهم.
والأهم ربما، بعد تنصل روسيا والأسد من جميع التعهدات السابقة، اشتراط وضع قوات دولية لحفظ السلام ومراقبة وقف إطلاق النار، أما إن كان العذر أن ذلك يحتاج لموافقة مجلس الأمن واحتمالية تكرار الفيتو الروسي، فعلى الأقل، تفعيل دور ومهام نقاط المراقبة التركية، بحيث لا تكون جولات أستانة، بمثابة استراحة لميليشيات الأسد وطيران روسيا، ليعيدوا كرّة القتل والتهجير ومحاولات السيطرة على إدلب وماتبقى من أرياف حماة وحلب واللاذقية.
وحينما يقف الضامنون والديمقراطيون، بوجه هذا المطلب البدهي والشرعي، فوقتذاك، للانسحاب من التفاوض، مبرر ويزيد ربما من قوة المعارضة والأهم، يسحب شرعية تفاوض المحتلين نيابة عن السوريين.
نهاية القول: ليس صحيحاً على الدوام، أن السياسة فن الممكن، خاصة خلال الثورات ونضال الشعوب باسترداد حريتها وكرامتها، بيد أن "التخلي" عن السوريين وقضيتهم، يضع هذا المبدأ "الحقير" كخيار ربما وحيد.
فأن يتم العناد والمكابرة وإعادة تجريب المجرّب، فالنتيجة واضحة على الأرجح، مزيد من قتل المدنيين بدماء باردة وعلى مرأى ومسع العالم، كما اللعب على عواطف السوريين، بتحرير تلة واسترجاع مزرعة، فثمنه دم وانتهاك أعراض ونوم نبلاء بالبراري.
لكن هذا لا يعني، التساهل بتكبيل الثوار المقاتلين، لأن بعض الحقيقة أيضاً، أن روسيا فشلت وخلال ثلاثة شهور من التقدم بإدلب ولم تستطع بعد أربع سنوات، من تحقيق وعودها بقتل الثورة والثوار، وهي تسعى عبر أستانة، لإضفاء مصداقية لرعايتها وابعادها عن تهم القتل.
فبقاء الذراع العسكرية الرادعة بيد الثورة ضرورة قصوى، فهي الضامن الوحيد حينما ستنقلب روسيا والأسد على مخرجات أي جولة ولقاء واتفاق، لتكون السبيل الوحيد لعودة موسكو إلى أنقرة، للبحث عن حل، صحيح أنه لن يحي الثورة والأحلام.. لكنه على الأقل، يبقيها على قيد الأمل والحياة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية