أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من "فورد" إلى حمار "نيسين"‏.. حسين الزعبي*

روبرت فورد - أرشيف

بينما تملأ الصور القادمة من إدلب عيوننا بالدماء، ينصح السفير الأمريكي السابق لدى سوريا "روبرت فورد" المعارضة ‏بألا تنتظر أي تدخل أو مساعدة عسكرية من الإدارة الأمريكية لإنهاء الهجمة العسكرية الشرسة على إدلب، فالتدخل ‏العسكري الأمريكي برأيه سيتسبب بحرب عالمية ثالثة وهذا ما لن تغامر به واشنطن.

"فورد" سبق وأن كشف في مقابلات صحفية أنه أكد للمعارضة في خلال السنوات الأولى للثورة أن الولايات المتحدة لن ‏تتدخل عسكريا لصالح المعارضة، إلا أن الحقيقة أنها تدخلت وأدارت ملفات الخراب، ولعل الفترة الأقوى للثورة من ‏الناحية العسكرية هي الفترة السابقة لهذا التدخل، عندما كانت تعتمد على ما يغنمه المقاتلون من أسلحة النظام، وبها ‏تمكنوا من السيطرة على معظم مساحة سوريا وحوصر النظام بدمشق ضمن مسافة لا تتجاوز 3 كم.‏

لا يتسع المجال لسردية تاريخية تبحث في العبث العربي الأمريكي في مسار الثورة التي أريد لها أن تصل إلى ما وصلت ‏إليه، مثلما لا يتسع لوصف الذهنية الغبية الحاقدة لنظام الأسد التي أودت بسوريا وفتت مكوناتها، وما زالت، وباعتها في ‏سوق القوادة السياسي طمعا في بقاء لن يكون حتى لو أفنى البقية الباقية من أطفال سوريا.‏

أما لماذا وصلت سوريا بكل مكوناتها إلى هذه الهاوية، فلعل في القصة الشهيرة للكاتب التركي "عزيز نيسين" بعض ‏جواب: ‏ ‏"جاءت بقرة إلي باب قصر السلطان راكضةً ، وقالت لرئيس البوابين: أخبروا السلطان بأن بقرة تريد مقابلته‎.‎‏ أرادوا ‏صرفها، فبدأت تخور، لا أخطو خطوة واحدة من أمام الباب قبل أن أواجه السلطان‎.‎أرسل رئيس البوابين للسلطان يقول: ‏مولانا، بقرة من رعيتكم تسأل المثول أمامكم‎.‎‏ أجاب السلطان: لتأتِ لنرى بأية حال هي هذه البقرة‎.‎‏ قالت البقرة: مولاي، ‏سمعت بأنك توزع أوسمة، أريد وساماً‎.‎‏ فصرخ السلطان: بأي حق؟ وماذا قدمت؟ ما نفعك للوطن حتى نعطيك وساماً؟ ‏قالت البقرة: إذا لم أعط أنا وساماً فمن يعطى؟‎!‎‏ تأكلون لحمي، و تشربون حليبي، وتلبسون جلدي، حتى روثي لا ‏تتركونه، بل تستعملونه، فمن أجل وسام من التنك ماذا عليّ أن أعمل أيضا؟‎!‎ وجد السلطان الحق في طلب البقرة، فأعطاها وساماً من المرتبة الثانية‎.‎‏

علقت البقرة الوسام في رقبتها، وبينما هي عائدة ‏من القصر، ترقص فرحاً التقت البغل، ودار بينهما الحديث: مرحباً يا أختي البقرة‎.‎‏ مرحبا يا أخي البغل‎.‎‏ ما كل هذا ‏الانشراح؟ من أين أنت قادمة؟ شرحت البقرة كل شيء بالتفصيل، وعندما قالت إنها أخذت وساماُ من السلطان، هاج ‏البغل، وذهب إلى قصر السلطان‎.‎‏ وأخذ يصرُخ عند باب القصر: سأواجه مولانا السلطان‎.‎ ممنوع‎.‎‏ إلا أنه و بعناده الموروث عن أبيه، أبى التراجع عن باب القصر، نقلوا الصورة إلى السلطان‎.‎‏ فقال: البغل أيضاً ‏من رعيتي، فليأتِ و نرى؟ مَثُل البغل بين يدي السلطان، ألقى سلاماً بغلياً، قبّل اليد والثوب، ثم قال بأنه يريد وساماً، فسأله السلطان: ما الذي قدمته حتى تحصل على وسام؟ فقال البغل: يا مولاي، ومن قدم أكثر مما قدمت؟‎!‎‏ ألست من ‏يحمل مدافعكم و بنادقكم على ظهره أيام الحرب؟ ألست من يركب أطفالكم وعيالكم ظهره أيام السلم؟ لولاي ما استطعتم ‏فعل شيء‎.‎ فأصدر السلطان قراراً، إذ رأى البغل على حق، فقال السلطان: أعطوا مواطني البغل وساماً من المرتبة الأولى، و بينما ‏كان البغل عائداً من القصر وهو في حالة فرح قصوى، التقى بالحمار‎.‎‏ قال الحمار: مرحباً يا ابن الأخ‎.‎‏ قال البغل:مرحباً ‏أيها العم، من أين أنت قادم وإلى أين أنت ذاهب؟ حكى له البغل حكايته، حينها قال الحمار: ما دام الأمر هكذا سأذهب ‏أنا أيضاً إلى سلطاننا وآخذ وساماً، وركض إلى القصر، صاح حراس القصر فيه، لكنهم لم يستطيعوا صده بشكل من ‏الأشكال، فذهبوا إلى السلطان وقالوا له:- مواطنكم الحمار يريد المثول بين أيديكم، هلا تفضلتم بقبوله أيها السلطان؟ قال ‏السلطان: ماذا تريد يا مواطننا الحمار؟ فأخبر الحمار السلطان رغبته، فقال السلطان وقد وصلت روحه إلى أنفه: البقرة ‏تنفع الوطن والرعية بلحمها وحليبها وجلدها وروثها، وإذا قلت البغل، فإنه يحمل الأحمال على ظهره في الحرب ‏والسلم، وبالتالي فإنه ينفع وطنه، ماذا قدمت أنت حتى تأتي بحمرنتك وتمثل أمامي دون حياء وتطلب وساماً؟ فقال الحمار وهو يتصدر مسرورا: رحماك يا مولاي السلطان، إن أعظم الخدمات هي تلك التي تُقدم إليكم من مستشاريكم الحمير، فلو لم يكن الألوف من ‏الحمير مثلي في مكتبكم، أفكنتم تستطيعون الجلوس على العرش؟‎!‎ هل كانت سلطتكم تستمر لولا الحمير؟‎!‎ وكذلك لو لم تكن رعيتكم من الحمير، لما بقيتَ في الحكم يوماً واحداً‎. عندها أيقن السلطان أن الحمار الذي أمامه على حق، ولن يستحق وساماً من التنك كغيره، وإنما نفتح له خزائن ‏الاسطبل، ليغرف منها كما يغرف غيره من الحمير‎...!!!‎

*من كتاب "زمان الوصل"
(199)    هل أعجبتك المقالة (191)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي