خرج السوريون إلى الشوارع قبل ما يقرب من تسع سنوات للتعبير عما وصلوا إليه من هوان، ولم يدفعوا إلى ذلك الجوع الذي بدأت يتمدد إلى بيوتهم التي كانت مستورة كما يصفونها، وهم اعتادوا على الصبر وعدم الشكوى بعد أن جرّب بهم النظام كل فنون التقنين تحت شعارات البعث العظيم في الصمود والتصدي.
بالأمس اعلنت دولة النظام عن جائزتها التقديرية لعام 2019، وبالطبع ليس مستغرباً أن يحظى بها موالوها ممن أمعنوا في قمع الحريات أو تفننوا في إفساده، الأولى كانت من نصيب المطرب جورج وسوف في مجال الفن، والثانية في الأدب نالها صابر فلحوط البعثي الذي ترأس اتحاد الصحفيين السوريين قرابة ثلث قرن ونيف.
في توصيف الفائز الثاني حظي فلحوط بلقب الشاعر، فما بالكم في هذا المنافق الذي حكم الصحفيين السوريين بشعره الوضيع هذه المدة الهائلة من الزمن، وأرسى كل قيم النفاق والتملق والتزلف لنظام الأسد، ولم يقل كلمة حق في يوم من أيامه الطوال بل على العكس لم يترك منبراً إلا وأطنب في مديح الحاكم الأول والقائد الذي لا يشق له غبار بالرغم من كل الهزائم التي ألحقها بالسوريين والحيف الذي مارسه ضدهم.
الثاني وهو مطرب الكازينوهات وسلطانها له عشاقه الكثر الذي يجدون في صوته (كركة عرق)، و قد علا كعبه عندما انزوى جيل الكبار من مطربي سوريا، ويمتاز بالوقاحة والشتائم والتحشيش العلني، ويهوى المهاترات وأخذ الصور مع الشبيحة وأسيادهم، ويرى في سوريا بلداً لا يتسع إلا لمرتادي الكازينوهات ممن يعتقد أنهم علمانيوها، وأما البقية فتستحق الرجم.
لا عجب أن يكون هذان الصوتان في الأدب والفن وجها سوريا الجديدة المتجانسة، وفي الوقت نفسه يهرب مبدعوها الحقيقيون وأجيال من الشباب المبدع خارج الوطن، وهم في كل يوم يبرهنون على أن ما كان ينقصهم هو أمر واحد..الحرية.
يكرم النظام اليوم صوتين غارقين في الصمت الآثم بينما يمارس هوايته في تفصيل الموت على أجساد أطفال السوريين في إدلب..السوريين جميعاً ممن ارتضوا لموت على أن تحكمهم نظرية المقاومة المخادعة.
أما من هم في عهدة البعث من مؤيدين وصامتين وما بينهما فهم يتحملون وزر الإهانة الأكبر لأن النظام يقول لهم بكل وضوح أنني مقيم على رقابكم، ولا تينتابكم شعور بأن موتاكم سيذهبون بكم إلى غير ما أريد..أنتم معي بالرغم منكم، ولن يعلو صوت فوق صوت النفاق والتهليل.
بالمقابل لا بد من المرور قليلاً على صناعة الولاء الأعمى في المعارضة من يسارها إلى يمينها فالوسط، وللأسف هم يستنسخون تجربة النظام في الاستعانة بصغار النفوس والمارقين، وممن وجدوا الفرصة مواتية لاستغلال مرارات السوريين وجني الأموال، وهؤلاء ايضا يبنون بهكذا سياسات دويلة فاشلة تقوم على الإقصاء والولاءات الصغيرة.
*عبد الرزاق دياب - من "كتاب زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية