شكل عدد من الهيغليين اليساريين في برلين 1841 مجموعة سميت بالهيغليين الشباب كانت قد شرعت في تثوير أفكار هيغل من داخلها..ضمت هذه المجموعة يومها فيورباخ و برونو باور اللذان كانا أبرز أفراد هذه المجموعة يومها و ضمت المجموعة أيضا ماركس و أنجلز..إلى جانب هذه الأسماء ضمت المجموعة أيضا صديقا مقربا من أنجلز كان اسمه ماكس شتيرنر..
يصفه أنجلز و هو يتذكر تلك المرحلة بعدو كل القيود و يذكر أنجلز كيف كان يتكلم بإباء ضد الدوغما و ضد القوانين..حتى أن الصورة الوحيدة المتبقية لشتيرنر كان أنجلز قد رسمها بنفسه بناء على طلب جون ماكاي مؤلف سيرة حياة شتيرنر..لكن نقد شتيرنر للمجتمع البروسي و الأوروبي المعاصر يومها لم يتوقف عند الدين و الكنيسة كما فعل فيورباخ و باور بل شمل الدولة التي اعتبرها مؤسسة غير شرعية و مؤسسات المجتمع الأخرى كالجامعة و مؤسسات التعليم و على الضد من ماركس شن حربا شعواء على كل الدوغمائيات التي أراد أن يتحكم البشر بها لا أن يكونوا خاضعين لها..
كان نقد شتيرنر لكل شيء يقوم على الأنا على الفرد , كانت القوانين و المؤسسات و السلطة في نهاية المطاف غير شرعية و جوفاء و مزيفة لأنها مناهضة لفردانية الفرد لحريته و كينونته..كان من الطبيعي أن ينتهي هذا النقد إلى إنكار الحقيقة المطلقة بأي شكل تجلت , هذا الإنكار كان متجذرا في "لا شيئية" النفس عند شتيرنر و انتهى إلى دعوته للانخراط بالحياة كما هي دون تلويثها بالإيمان مسيحيا كان أم إنسانيا..كان رد فعل أنجلز الأول على كتاب شتيرنر الصادر عام 1844 حماسيا إلى حد ما..كتب يومها لماركس يخبره بصدور الكتاب و يضيف أن ما يراه محقا في كتاب شتيرنر أنه علينا قبل أن نشرع بأية قضية أن نقوم بذلك كقضية فردانية egoistic حتى أنه ذهب إلى أننا شيوعيين في ضوء فردانيتنا هذه , لكن سرعان ما يكتب الصديقان ماركس و أنجلز مخطوط الايدولوجيا الألمانية التي وجها فيها انتقادا حادا لأفكار شتيرنر..كان نيتشه الاستمرار الطبيعي لشتيرنر , نحن لا نعرف ما إذا كان نيتشه فعلا قد اطلع على شتيرنر لكن من المؤكد أن نيتشه دفع عدمية شتيرنر حتى نهايتها المأساوية الشخصية و الإنسانية..كان نيتشه يرى أنه يخاطب بشرا آخرين بشرا لم يولدوا بعد , سادة حقيقيين أبعد ما يكونوا عن وضعية و أخلاق العبيد الرائجة , أرستقراطيين حقيقيين لكنهم كما تقول ايما غولدمان الفوضوية الروسية الأصل ليسوا أرستقراطيين بالدم و لا بالمال بل بالروح..
لم تكن ولادة هذا الإنسان الجديد مرهونة بالإعلان عن موت الإله بل أيضا بسقوط الأخلاق المسيحية أخلاق العبيد لصالح أخلاق السادة.."لم يكن نيتشه مفكرا اجتماعيا , بل شاعرا , متمردا و مجددا" ( غولدمان عن نيتشه )..كان الكثير بانتظار نيتشه و شتيرنر بعد موتهما..
كانت بعض أوساط اليسار الألماني أول من احتفى بنيتشه أواخر القرن التاسع عشر حتى أن المحافظين يومها طالبوا بمنع كتاباته لكن في وقت لاحق سيستخدم النازيون أفكار نيتشه و إن بشكل انتقائي ضمن خطابهم الفكري..موسوليني نفسه ادعى أن شتيرنر قد ألهمه فيما اقتبس عنه ألبير كامو صديق سارتر في كتابه عن تجربة الإنسان الوجودية "المتمرد"..في المرة الأخيرة التي غادر فيها جبران خليل جبران بوسطن إلى نيو يورك عام 1910 التي لن يغادرها إلا جثة هامدة إلى بشري في رحلته الأخيرة كان يحمل معه إلى جانب الكثير من الإحباط و الغضب و الأمل مخطوطة عمله "الأجنحة المتكسرة" و كتاب نيتشه الأكثر إثارة للرعب "هكذا تحدث زرادشت" الكتاب الذي يمكن أن نتتبع أفكاره و ثورته في "نبي" جبران..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية