أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فضيحة ثمار البحر.. مزن مرشد*

احتلت سوريا الترتيب رقم 178 عالمياً على مؤشر الفساد - أرشيف

فضيحة من العيار الثقيل شغلت فرنسا طيلة الأسبوع الماضي، انتهت باستقالة وزير البيئة فرانسوا دي روجي بعد أن كشفت الصحافة فساده بالجرم المشهود.

وانبرت وسائل الإعلام الفرنسية كافة، بدون استثناء، بـ"نكت كرار" الوزير دو روجي على ما اقترفت يداه من فساد في حق بلاده، وما أنفقه من مال الحكومة على تجديد مقر الوزارة وأعمال تصليح لم يكن لها داع.

الحقيقة كان هذا الأمر بالتحديد مستغرباً بالنسبة لي وأنا التي شهدت تعاقب أكثر من رئيس تحرير في مقر عملي في سوريا، وكل رئيس تحرير كان ينشغل في أول شهور استلامه بتجديد كامل مكتبه من أعمال السباكة، والديكور، وتغيير البلاط، وورق الجدران، والفرش وطقم القهوة، وشتلات الورود، وصولاً للتكييف -وهذا رئيس تحرير وليس وزير- وكنا نحن الصحفيين غارقون في حر الصيف الدمشقي ولا حتى مروحة في مكاتبنا.

المهم يا سادة يا كرام تكملة قصة الفاسد الفرنسي هي إقامته لمأدبة عشاء فاخرة!

لكن الصحافة عزت هذه الدعوة الفاخرة لزوجة الوزير دو روجي باتهامها بوقوفها خلف هذا الفساد من خلال رغبتها بحياة الترف ووسوستها لزوجها الوزير بما اقترف من ذنب.

فالزوجة وأثناء قضائها مع زوجها الوزير لعطلتهم السنوية على أحد الشواطئ أجبرت زوجها على إقامة عشاء فاخر في مطعم فاخر، دعي إليه بعض ذوي النفوذ في مجال الطاقة.

وكانت الطامة الكبرى بأن العشاء كان عبارة عن مأكولات بحرية، وهذا ما أثار حفيظة الصحافة فكيف لوزير بيئة أن يأكل مأكولات بحرية؟ ويخل بالتوازن البيئي البحري؟

وأيضاً غلاء سعر النبذ المقدم على العشاء والذي بلغ سعر الليتر منه 500 يورو أي ما يعادل 300 ألف ليرة سورية.

ولم تتوقف الفضيحة على المأكولات البحرية والنبيذ، بل تجاوزتها إلى أن الوزير المذكور مستفيد أيضا في قضية سكن، إذ يسكن ابنه في باريس في شقة مساحتها 45 متر مربع ويدفع إيجارها حوالي 850 يوروشهرياً، لأن الشقة مستأجرة من شركة HLM وهي شركة للسكن الشعبي يستفيد من شققها ذوي الدخل المحدود.

العشاء وشقة بالإيجار أطاحت بالوزير وأنهت مستقبله السياسي وسمعته الاجتماعية معاً.

الوزير المسكين أعلن استقالته وقال إنه لا يحب المأكولات البحرية وأنها تصيبه بالحساسية وبأنه ليس خبيراً بالنبيذ ولم يشترِ بحياته نبيذاً فاخراً، وبأنه لا يحب حياة البذخ، لكنه استقال وانتهى الأمر.

في سوريا الصمود والتصدي يدخل الوزير إلى الوزارة فقيراً أو متوسط الحال ويخرج منها بأرصدة بنكية فلكية وأملاك داخل البلاد وخارجها، ناهيك عن بذخ الحياة له ولعائلته ولأقاربه حتى سابع جد.

في سوريا الصمود والتصدي يصرح فواز الأخرس والد أسماء الأسد أن الفساد أخطر من الحرب، وبأن الفساد هو من خرب حياة المواطن السوري وبلده، في ندوة نظمتها الجمعية السورية البريطانية التي يرأسها الأخرس، ليس هذا فقط، بل وجه الأخرس إصبع الاتهام لرئيس الحكومة عماد خميس، وبالمناسبة كان خميس من بين الحاضرين، ما يثبت الشفافية الشفافة التي تتمتع بها سوريا.

طبعاً بالمقارنة بين فساد سوريا وباقي دول العالم احتلت سوريا الترتيب رقم 178 عالمياً على مؤشر الفساد الذيّ تُعدّهُ منظمة الشفافيّة الدوليّة من بين 180 دولة شملها المسح، والترتيب رقم 15 عربياً على المقياس ذاته.

في بلدي يُرقى اللص إلى مرتبة وزير، ويكافأ الفاسد بتوليه مكاناً آخر يتيح له المزيد من السرقات، ما جعل بلدنا مزرعة لا ترتقي إلى مصاف الأوطان، وظل المواطن طوال أكثر من أربعين عاماً مجرد رقم في الإحصاء -ناهيك عمن لم يشملهم إحصاء الوطن- فكنا رعايا لا مواطنين، وحين كسر السوري حاجز الصمت ومع أول صرخة حرية توقاً للوطن، كان الموت لنا بالمرصاد، والجرائم التي لم يحاسب عليها أحد بالمرصاد أيضاً.

هنا نرى وزيراً يستقيل بسبب حادث طريق أو شبهة فساد غير مؤكدة، أوعشاء، وفي بلادنا يأكل المسؤول عشاء الجميع، ولا يغادر منصبه إلا إن أرادت القيادة ذلك...ذات القيادة الحكيمة التي سارت بنا بحكمتها المعهودة حتى صارت سوريا خراباً، وبتنا مجرد أشلاء بشر، نعد أيامنا في مهاجرنا القسرية، وننتظر بكل أمل وصبر، علّنا نرى بلادنا يوماً أوطاناً، تقيل وزيراً بسبب عشاء، ونشعر ولو ليوم واحد قبل موتنا بأننا مواطنون.

*من كتاب "زمان الوصل"
(183)    هل أعجبتك المقالة (183)

2019-07-20

مزن مرشد صدى الوجدان.


Abd

2019-07-20

هيك بدْو المقبور حافظ وهيك بدْون تجار دمشق..


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي