إنعاش القطاع العام الصناعي.. كل شيء مؤمن.. ولكن؟!

أما آن الأوان لإخراج قانون إصلاح القطاع العام الصناعي من غرفة الإنعاش؟ إنه التساؤل الذي يطرحه المهتمون والمتابعون والمعنيون فيما آل إليه واقع القطاع العام الصناعي، لا سيما بعد أن هزمت صناعتناالمحلية أمام الصناعات الأخرى دون قتال، فالسوق مفتوحةٌ للجميع، لكن صناعتنا ترفع رايتها البيضاء وتخلي الساحة بانتظار عملية إصلاحٍ وعدنا بها منذ سنوات، حين قرعت الطبول وأعلنت وزارة الصناعة عن البدء بخطوات إنقاذ القطاع العام الصناعي قبل تراكم الخسائر،
وكانت وزارة الصناعة قد بدأت دراسة المشروع ومناقشته، فيما مازالت المؤسسات الصناعية التي تراكم الخسائر عاماً بعد عام، بانتظار المخاض المتعثر، وبحسب رؤية الخطة الخمسية العاشرة، يجب أن تكون الصناعة المحور الرئيس في الاقتصاد، حيث كان معدل نمو الناتج الصناعي  قبل البدء بالخطة أقل من 2% سنوياً، وأبرز ما تطرحه الخطة هو التحول إلى ما يزيد على نسبة 10 %، إلا أن الخطة تبدو وكأنها تؤدي عزفاً منفرداً خارج أوركسترا عمل وزارة الصناعة فالإصلاح مازال يحبو إلى الوراء..
¶ في العجلة الندامة
مناقشات حثيثة نالها قانون إصلاح القطاع العام الصناعي حيث تمت مناقشته في رئاسة مجلس الوزراء آخر مرة في الشهر الرابع لعام 2008 والنتيجة بحسب ما أكد الدكتور فؤاد عيسى الجوني وزير الصناعة هي القيام بالعديد من التعديلات التي تتطلب بالضرورة إعادة صياغة هذا القانون من أساسه وهذا يحتاج إلى وقتٍ كبير يصل إلى أكثر من عام لإعادة الصياغة ومن ثم الموافقة عليه ويضيف الجوني أنه تم اتخاذ القرار بمعالجة أوضاع القطاع العام الصناعي لكل شركة على حدة وبدأنا بذلك فعلاً حيث سيتم تحويل نشاط بعض الشركات إلى نشاط تجاري أو سياحي وتوجد بعض الشركات التي ستطرح للاستثمار الصناعي وتوجد استثمارات بدأنا فيها بتجديد خطوط إنتاج لشركات قائمة فعلاً مثل شركة زجاج دمشق وشركة زجاج حلب والشركة المطاطية وشركة سيرونيكس وشركة حديد حماه ونحن نتابع في هذا الاتجاه وعملياً نستطيع القول أننا بدأنا فعلياً في إصلاح القطاع العام الصناعي.
ويضيف الجوني أن لكل شركة وضعها الخاص ونحن نعالج إصلاح الشركات كل واحدة بشكلٍ منفرد بعد دراسة وضعها بشكلٍ تفصيلي رغم أننا وضعنا بشكل عام استراتيجية حتى عام 2015 لإصلاح القطاع العام حيث وضعنا خطة لكل مؤسسة من المؤسسات التي تتبع لوزارة الصناعة ونلاحظ ما هي الصناعات التي نرى أنه لا ضرورة لوجودها في القطاع العام وما هي الصناعات التي يجب إدخالها إلى القطاع العام ما هي الصناعات التي يجب أن نستثمر بها ضمن القطاع العام ويشير الجوني إلى أنه لا توجد فكرة خصخصة نهائياً ولكن هناك فكرة دمج بعض الشركات مع بعضها البعض فهذه أفكار واردة وطرح صناعات للاستثمار أيضاً وارد.

¶ حلقة مفقودة
الخلل في أسلوب اختيار الإدارات، هذا ما أشار إليه فؤاد اللحام، مدير البرنامج الوطني للتطوير والتحديث الصناعي، مؤكداً أن القطاع العام الصناعي يحتاج إلى إدارات كفوءة ومن الضروري تمكينها بصلاحيات واسعة.
وحول نقاط انطلاق المشروع يقول اللحام: الإصلاح يبدأ من بيئة العمل، سواء الإدارية أم المالية أم التنظيمية، لأن بيئة العمل تحتاج إلى آلية عمل جديدة والعمل بعقلية القطاع الخاص والنوايا الجيدة لا تكفي، إذا كانت النتائج غير مرضية.

¶ حلول جذرية
ما يعاني منه القطاع العام اليوم لا تكفي معه الحلول الإسعافية، بحسب رأي اللحام الذي رفض أن يتم الإصلاح بحلولٍ جزئية، وإنما يجب أن يكون بشكلٍ كامل وعن طريق حزمة إصلاحات متكاملة وحلول جذرية، والوقوف على مشاكل وظروف كل مؤسسة وشركة خاسرة وتحويلها إلى العمل بكفاءة اقتصادية، وبالتالي الرؤية الشاملة للإصلاح وليست الرؤية المنقوصة.
وأوضح اللحام أن برنامج التطوير والتحديث الصناعي يواجه مشكلة في إصلاح القطاع العام الصناعي، مبيناً أن هناك جهوداً حثيثة تبذل لكسر الحلقة المفرغة التي يعاني منها هذا القطاع، لكن البرنامج يقدم معونات فنية؛ مثلاً زار خبير فني الشركة الخماسية لترشيد استهلاك الطاقة، كما قدم البرنامج خبرات عديدة في مجال التسويق، لكنه أكد أن هذا القطاع يحتاج إلى أسلوبٍ جديد في اختيار الإدارات ويحتاج إلى تحسين بيئة العمل، والعمل بعقلية القطاع الخاص كما يحتاج إلى الدعم المالي.

عمالة فائضة
الإصلاح حاجةً ملحة في ظل تزايد المنافسة، حيث يقول الدكتور خليل جواد، المدير العام للمؤسسة العامة للصناعات الغذائية: بدأ الإصلاح في قطاع الصناعات الغذائية منذ عدة سنوات، فهناك جهد مبذول يهدف إلى وضع المؤسسة والشركات التابعة لها في بيئة أصبحت تنافسية، فبدأ الإصلاح من خلال اتخاذ الإجراءات التي تهدف إلى إعداد الهيكلية حتى بات الجو التشريعي المحيط بالعمل الصناعي جواً محفزاً، ولكن من الضروري البحث عن حلول ناجعة للعديد من المشكلات الأخرى التي تقع على عاتق القطاع العام الصناعي مثل العمالة الفائضة وإيجاد حلول سريعة للشركات الخاسرة والتي انتهت جدواها الاقتصادية كالبسكويت والكبريت، فيجب أن يكون هناك قانون لمعالجة هذه القضايا بأسرع وقتٍ ممكن؛ فالديون تتراكم ورأسمال هذه الشركات يتآكل.. فحتى الآن هذه المشاكل لم تعالج بعد، والعائق الأساسي كما يقول جواد: هو معالجة موضوع العمالة الفائضة والشركات الخاسرة والحل هو منح الإدارة الصلاحية في اتخاذ القرار بشأن هاتين القضيتين فبالوضع الحالي اليوم يأخذ الموضوع إجراءات طويلة.
البرنامج الموضوع إذا تم إقراره فوراً، سيكون التنفيذ أيضاً فوراً، هذا ما يؤكده جواد .

¶ تقصير معلن
لماذا  تحجم الحكومة عن تنفيذ المشروع؟ هذا التساؤل الذي طرحه الدكتور عيد أبو سكة ليجيب أنه، إذا كانت الحجة هي الخوف، فعلينا أن نوقف هذا الخوف، لأنه يزيد من المشكلة ويفاقمها لتصبح عصيةً على الحل فالجهات المعنية اليوم مقصرة في وضع الحلول الجذرية لهذا الأمر، فكل ما كان يطرح يأتي ويذهب وكأنه لتمضية الوقت فقط، فالمشكلة بحسب أبو سكة بحاجة إلى إعادة النظر في الأمور المالية والتنظيمية واعتماد استراتيجية لتطوير الإدارة، ورغم وجود اللجان التي تعمل وتضع السيناريوهات، إلا أنه حتى اليوم لم يعتمد أياً من الحلول ولم نر نتائج عمل هذه اللجان، ويضيف أبو سكة لا ندري حتى الآن لماذا التباطؤ في إيجاد مخرج، فما يحدث أزمة تكاد تهز القطاع العام عموماً وليس فقط القطاع العام الصناعي والمشكلات ليست عصية على الحل إن أرادت الجهات المعنية إيجاد الحلول وإذا وصلت المؤسسات إلى شفير الهاوية، فالحلول التي ستطرح قد لا تكون مناسبة لأحد.

 ¶ أصلحوا أنفسكم
الخبير الاقتصادي الدكتور حيان سليمان، وجه نداء قوياً بضرورة إخراج القطاع العام الصناعي من غرفة العناية المشددة، لأنه أحد القطاعات الاقتصادية التي تركت أثراً مباشراً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مؤكداً أنه يجب تحديد المشكلة دون تنظير وبالتالي تحديد المشكلة بعقلية الجراح.
وبين سليمان أن القطاع العام الصناعي ظهر بطريقتين، الأولى عن طريق التأميم، والثانية الإنشاء والتكوين ومن حينها بدأت تتراكم مشاكل هذا القطاع التي يمكن تصنيفها وإجمالها ضمن مشاكل إدارية وفنية وتسويقية وإنتاجية، إلى مشاكل عمالية، ورقابية، وبالتالي يجب التعامل مع كل مشكلة بحذر، وعلى سبيل المثال، المشاكل التسويقية أدت إلى تراجع الإيرادات وعدم القدرة على تأمين السيولة، ويقاس على ذلك كافة المشاكل، لذلك يجب أن تبدأ مرحلة الإصلاح التي تحتاج إلى عمل وإرادة وليس إلى تنظير وكلام.
وقال الخبير الاقتصادي : قد تتعارض الجوانب الاجتماعية مع الجوانب الاقتصادية في عملية الإصلاح، مثلاً عمالة مرتفعة؛ يعني ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتخفيض عدد العمالة وهذا الشيء يتنافى مع الجانب الاجتماعي، فيجب الخروج من هذه الإشكالية.
إذاً آن الأوان للقيام بالإصلاح الإداري، والبدء بعملية الحساب الاقتصادي، والربط بين الخطة الإنتاجية والتسويقية، وهذا يحتاج إلى إدارةٍ واعية تؤمن بالقيمة المضافة، وعملية الإصلاح ليست بهذه البساطة، ويضيف سليمان: إذا أردنا الإصلاح يجب أن نضع هذا القطاع تحت مجهر التحليل، والوصول إلى مرحلة السلعة الأفضل بالسعر الأرخص، والتخلص نهائياً من ظاهرة سلعة سيئة بسعر عالٍ.  كما أشار سليمان إلى ضرورة توزيع اليد العاملة والانتقال من الكم إلى النوع، لأن الصناعة عبارة عن تفاصيل، وضرورة تحديد الجهة الرقابية على هذا القطاع؛ فليس من الطبيعي أن يراقبه من لاعلاقة له أصلاً، والعمل وفق المنهج المتبع في القطاع الخاص.
وحول  قيمة الـ100 مليار ليرة المخصصة لتنفيذ المشروع وهل هي  كفيلة بحل مشاكل هذا القطاع، أجاب حيان سليمان، الصمت في هذه الحالة أفضل، لأن الموضوع ليس موضوع  مليارات، بل عملية الإصلاح تحتاج إلى خطة فهل هذه الخطة موجودة، وقبل عملية الإصلاح، يجب إصلاح أنفسنا قبل كل شيء ومن ثم إصلاح وجهات نظرنا بعدها البدء في عملية إصلاح القطاع العام الصناعي.

خسائر بالأرقام
Image المؤسسات الصناعية لا تبدو في أفضل حالاتها؛ فبحسب الأرقام الرسمية، الخسائر هي سيد الموقف ففي المؤسسة العامة للصناعات النسيجية تشير أرقام عام 2007 إلى خسارةٍ بلغت  987.472 مليون ليرة بزيادة على العام 2006 بلغت (556.756 مليون ليرة) كما تحولت في نفس العام شركتان من حدية إلى خاسرة، إضافةً إلى تحول شركة من رابحة إلى حدية، وبالنتيجة فإن عام 2007 في المؤسسة العامة للصناعات النسيجية أفرز 13 شركة رابحة و7 شركات حدية و7 شركات خاسرة.‏  أما في الصناعات الهندسية التي تطورت بنسبة 1٪‏ في عام 2008 فقد عجزت سبع شركات عن تنفيذ خططها الإنتاجية بشكل جيد وهي شركة الصناعات التحويلية وشركة المحركات وشركة النصر (سيرونكس) وشركة الألمنيوم وشركة بردى وشركة بطاريات القدم وشركة الكبريت، وتراجعت أرباح عام 2007 للمؤسسة على مستوى كامل إنتاج بمقدار 140 مليون ليرة سورية) عن عام 2006 حيث كانت (1417 مليار ليرة ) وأصبحت (1277مليار ليرة سورية).‏
واقع الحال في المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية ليس بالأفضل، حيث تشير الأرقام ولنفس الفترة من العام 2008 إلى أن قيمة الإنتاج الجاهز للبيع بلغت (7870406 ليرة)، مسجلة انخفاضاً عن عام 2007 بقيمة 37775 ألف ليرة وكذلك انخفضت المبيعات بواقع (71811 ألف ليرة)، والأمر الذي طرأت عليه زيادة هو التصدير الخارجي بالدولار الذي كان (906 آلاف دولار) عام 2007 للأشهر العشرة الأولى، وأصبح (1455 ألف دولار) لنفس الفترة من العام 2008، كذلك فقد انخفضت المخازين بما قيمته (28386 ألف ليرة).‏
المؤسسة العامة للصناعات الغذائية بلغ حجم إنتاجها في بداية عام 2008 ماقيمته (5.8 مليار ليرة) بزيادة على العام 2007 بلغت 1.6 مليار ليرة، كما باعت المؤسسة في هذه الفترة منتجات بقيمة 5.6 مليار ليرة بزيادة على العام   2007 ولنفس الفترة تقدر بـ (1.1 مليار ليرة)، إلا أن قيمة المخازين كانت قد بلغت 757.5 مليون ليرة بزيادة على العام 2007 ولنفس الفترة أيضاً تقدر بـ 373.9 مليون ليرة وسجل حجم الاستثمارات الجديدة تراجعاً كبيراً، حيث كان في الأشهر العشرة الأولى من العام 2007 (182 مليون ليرة) وانخفض إلى (10 ملايين ليرة) في العام 2008 وللفترة نفسها .‏

إباء منذر - علي الخلف
(98)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي