أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تباً لقضاياهم الكبرى.. عدنان عبد الرزاق*

من ريف إدلب - جيتي

لمثلي، خائب من الشعارات العريضة والادعاءات الإنسانية والحضارية الفضفاضة، لم تعد تعنيه استقالة السفير البريطاني في واشنطن وتسريب انتقادات للرئيس الأمريكي.

ولم تعد تشغلني المسرحيات والفتوحات القولية، سواء بالخليج العربي وحشد واشنطن وأوروبا الغربية، قواتها وجواسيسها، لتأديب إيران أو ثنيها عن تصدير الثورة، ولا حتى ما يحضّر لتركيا، من أفخاخ وعقوبات، بعد أن أدخلت منظومة الصواريخ الروسية "اس 400" لقوتها الدفاعية.

بل، وأهرب أحياناً من الأحداث التكتيكية بالمنطقة العربية، ومن أجرم أهلوها خاصة، وتطلعوا للحرية والكرامة، فمن السودان إلى سوريا، مشوار طويل وشاق، من الخيانات والمشيئة الدولية، بمنع الإنسان المشرقي، من تحصيل بعض إنسانيته.

ببساطة، لأني شهدت وشاهدت، أن الذي يعلن على منابر الإعلام وقاعات السياسة، غيره بالمطلق، للذي يفعله هؤلاء، فبالنهاية، ثمة روابط دولية تحكمها القوة والمصالح.

وربما أكثرمن فهم وتفهّم تلك المعادلة، هي إيران وتركيا وكوريا الشمالية، وليس مستبعداً أبداً، أن نرى أقطاباً وتكتلات جديدة...أو حتى حرباً عالمية. لأن الجنون والكيدية والنفعية التي تحكم عالم اليوم، لا تنبئ بديمومة استقرار، وإن حققت صفقات مالية وتغيّرات جغرافية، يحتاج "المتحضرون" عقوداً، لتحقيق بعض بعضها.

تعلمنا بالماضي، أن ليس أكبر من الإنسان وأولّى منه، ولا خبر يتقدم على حياته بل ومماته خلال الأخبار، وعلمونا فيما تعلمنا، أن أنسنة القصة الصحفية، هو الطريق الأمثل والأقصر لتقبلها ورواجها.

ولم يخطر لمن علمنا الصحافة منذ نيف وربع قرن، أن يصل العالم، والمتحضر منه على وجه التحديد، لهذا المستوى من الانحطاط والقذارة، فتتوقف الأمم المتحدة، على سبيل ذكر الانحطاط، ومنذ أعوام، حتى عن إحصاء وتوثيق الضحايا السوريين الذين يقضون بنيران طيران الأسد وبوتين، بل وبالأسلحة المحرمّة، والتي ساهمت المؤسسة الدولية يوماً ما، إلى جانب مؤسسات ودول لا تقل انحطاطاً، عن حصار دول بحجة امتلاك الأسلحة المحرمة، بل وإقالة وإعدام رؤساء دول.

خلاصة القول: حتى يوم أمس، وعلى امتداد 11 أسبوعاً، قتلت آلة حرب الأسد بوتين 606 مدنيين في الشمال السوري لاسيما إدلب، ولم يتوقف شلال دم السوريين، رغم كل المساعي بما فيها تفشي الإضراب عن الطعام حتى يتوقف القتل والإجرام.

والسبب على الأرجح، أن موت السوريين، لم يعد، بعد تحقيق المآرب والصفقات، مادة شهية أو إعلامية، حتى بالإعلام الصديق الذي كان له كل الفضل، بحرف الثورة وأسلمتها، ودفع بالسوريين ومصائرهم، نحو المجهول وغياهب الكهوف!

أجل غياهب الكهوف، وهي القصة الإنسانية الأبرز، التي لفتتني هذا الأسبوع. إذ لم تهدّم حرب الأسد على الثورة والسوريين، والتي يؤيدها جلّ العالم، وإن بطرائق مختلفة، الحجر والبشر وتوصل الخسائر لأكثر من مليون قتيل و11 مليون مهجّر ونازح ونحو 300 مليار دولار، بل أوصلت القيادة العلمانية الحكيمة، وبمؤازرة دعاة الحرية والديمقراطية، السوريين إلى الكهوف.

ففي اللطامنة بريف مدينة حماة، يهرب السوريون إلى الكهوف والمغارات بالجبال، ليأمنوا على حياتهم ومن تبقى من أسرهم.
لكن ما تركه الأقدمون من كهوف، بأقدم مناطق العالم حضارة وسكناً، لم تعد تكفي لاستيعاب الهاربين.. فبدأ سوريو القرن الواحد والعشرين، بإعادة حفر الكهوف وبطرائق بدائية، تشبه صنائع جدهم الأول.

ربما ليس بهذا الخبر، ما يدفع عالم الأبراج العالية، ليتخذوا أي إجراء أو وقف لآلة الموت، لكن الفضول والسعي للاكتشاف، سيدفعهم قريباً وعلى الأرجح، لإرسال كاميرات ومراسلين وربما علماء آثار، لتتصدر عودة الإنسان البدائي، نشرات أخبارهم.

*من كتاب "زمان الوصل"
(221)    هل أعجبتك المقالة (238)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي