رحل شيخ وراقي دمشق "صلاح صلوحة" السبت بعد رحلة امتدت لأكثر من أربعة عقود مع الكتاب والمطبوعات التي دأب على جمعها طوال تلك الفترة بحب وشغف، حتى تجمع لديه أرشيف كامل للصحافة السورية والعربية وأكداس من الكتب في مختلف صنوف الثقافة والمعرفة مما كانت تغص به أركان مستودعه ومكتبته في منطقة "الحجر الأسود" جنوب دمشق.
ونعى مثقفون صلوحة "المثقف الموسوعي وصاحب الروح البريئة، الرجل الذي تمثل سيرة حياته بكل مافيها من مأساوية وحزن أوضح صورة للانحطاط الفكري والثقافي الذي نعيشه".
وبدأ أبو نادر بجمع الكتب والمجلات القديمة منذ أكثر من أربعة عقود حتى تجمّع لديه أكثر من 10 آلاف كتاب في مختلف ألوان المعرفة الإنسانية، إضافة إلى أكداس مكدّسة من المطبوعات العربية من مجلات ثقافية وسياسية وغيرها، وهي تكاد تغطي تاريخ قرن كامل، والكثير من المجلات العربية الثقافية والفكرية ومجلات الأطفال بمجموعات كاملة، خاصة تلك التي احتجبت، إضافة إلى الكثير من الوثائق النادرة، وقبل أن تلقي الحرب بظلالها كانت مكتبته التي أفرد لها مستودعاً يمتد على مساحة أكثر من 300 م2 في منطقة "الحجر الأسود" بدمشق، تعتبر كنزاً بكل المعايير وقبلة للباحثين من سوريا والوطن العربي والعالم، ومرجعاً للكثير من طلاب الجامعات في الداخل والخارج.
وكان شيخ وراقي دمشق، كما أفصح ذات يوم في لقاء أجرته "زمان الوصل" معه يتوق لأن يكون لديه "مال هارون" و"صبر أيوب" و"عمر نوح" ليكمل رحلته الممتعة مع الكتاب، ولكن شبح هذه الحرب قتل الرغبة في داخله، فاضطر مع بداية الاشتباكات إلى ترك مكتبته، بما فيها دون أن يعلم عنها شيئاً إلى الآن.

وروى الوراق الدمشقي في اللقاء المذكور أنه بدأ رحلته مع الكتاب في العاشرة من عمره عندما اضطر لترك الدراسة في الصف الرابع الابتدائي ليعمل مع والده في بيع (الهريسة) أو (البسبوسة) كما يسميها الدمشقيون.
وكشف "صلوحة" أن والده كان يرسله إلى أسواق دمشق ليشتري المجلات القديمة من أجل اللّف، وكان يقف على عربة والده وينشغل كثيراً بقراءة بعض المجلات السورية تحديداً أكثر من انشغاله ببيع الحلوى، ومن هذه المجلات كما قال (الاثنين– الكواكب- الجندي- العالم- الدنيا- المصور)، ولم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره.
وفي مطلع الستينات سافر "صلاح صلوحة" إلى لبنان وعمل هناك بائعاً للصحف وكان من أوائل باعة الصحف والمجلات على إشارات المرور وكانت مجلات دار الصياد (الأنوار والشبكة والصياد) من نصيبه، وخاصة بعد أن تعرفت على الصحافي الكبير الراحل "سعيد فريحة" الذي كان يشتري صحيفته من "صلوحة" كل يوم، وذات يوم قال له: "سوف تكون معروفاً لو تابعت العمل في بيع الصحف بهذا النشاط".
وكان لدى "صلوحة" تجربة في كتابة الأدب الساخر بدأها بمخطوط "كشكول الوراق"، وهو مجموعة نصوص قصصية وشعرية تعبر عن تجارب حياتية عاشها، والثاني بعنوان "رسائل الوراق" وهي رسائل أدبية إلى الأهل والأصدقاء كتبها أثناء تجواله في العالم.
وكتب "صلوحة" في مقدمة كتابه الأول ملخصاً حال الاهتمام بالكتاب اليوم: "إلى زوجتي التي لا تحب من الكتاب إلا غلافه –إلى أولادي الذين لديهم مكتبة كاملة للأطفال ولم يمسكوا قصة واحدة لقراءتها– إلى القراء الذين لديهم هواية جمع الكتب دون أن يقرؤوها- إلى الذين يفاخرون بعدد الكتب المطبوعة لهم دون أن يقرأها غيرهم، أهدي لهم كتابي هذا ليزيد كتبهم الموضوعة فوق الرفوف".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية