بإضرابه عن الطعام فقط، استطاع المهاتما غاندي تحرير الهند...
لم يستطع المستعمر البريطاني أن يجابه سلمية الرجل ومحبة أتباعه، كان يكفي أن يعلن غاندي بأنه مضرب عن الطعام لترضخ الحكومة البريطانية لمطالبه ولتنفذ كل شروطه... وعندما اغتيل، لم يغتله المستعمر، بل اغتاله أحد أبناء جلدته.
لا أقارن أبداً بيننا كنشطاء سلميين اخترنا الإضراب عن الطعام، كآخر وسيلة سلمية تلفت الانتباه لقضيتنا، ولشعبنا المقتول، في إدلب اليوم، ولكني أقارن بالتأكيد بين مستعمرين.
تسع سنوات لم تتوقف آلة القتل في بلادنا يوماً واحداً، تسع سنوات ولم يتغير شيء، إلا عدد الجيوش والفصائل وأنواع السلاح.
تسع سنوات ولم يتغير شيء، إلا ازدياد أعداد القتلى والمشردين والمهجرين والنازحين والمفقودين والمعتقلين.
تسع سنوات لم يتغير شيء، إلا خريطة النفوذ في مساحة البلاد بين إيراني وروسي وأمريكي وحزب...إلى آخره..
تسع سنوات ولا يتوقف عداد الموت، تنزف سوريا أرواح أبنائها ليصل عددهم حتى آذار 2018 إلى ما يفوق الـ 511 ألف إنسان...
تُفرغ المدن من أهلها فيصل عدد النازحين هرباً من الموت إلى ما يفوق الـ 6.6 مليون نازح داخلي ومن أسعفهم الحظ بالخروج من سوريا إلى 5.6 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتكتمل خارطة الموت في إدلب بعد أن جعلوها المكان الأكثر كثافة سكانية في العالم، فيمطرها الطيران الروسي وبراميل الأسد منذ 30 من شهر أيار المنصرم وحتى مساء الأحد الـ 30 حزيران من هذا العام بنحو 4630 ضربة جوية تستهدف جبال الساحل وريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي بالإضافة لمحافظة إدلب وريفي حلب الغربي والجنوبي، تنجح الضربات بسلب حياة 1131 إنسانا، بينهم 57 طفلا و40 امرأة.
كيف لهؤلاء القتلة أن ينجوا بفعلتهم على مرأى من العالم المتحضر، في عصر البث المباشر؟
يجتمع قادة العالم من أجل سوريا فيصلون إلى تسويات وصفقات وإعادة علاقات، وتبقى الحرب معلقة، تسير على حبل مشدود بين جبلين، فوق هوة لا أحد يستطيع سبر عمقها، وتبقى القضية منسية في أروقة المصالح السياسية.
ربع قرن من الحرب، احتاجها العراق ليصل إلى تسجيل ثلاثة ملايين أرملة حسب وزارة الشؤون الاجتماعية العراقية ... ولم تحتج سوريا لأكثر من تسع سنوات حتى تسجل حوالي المليون ونصف المليون من الأرامل، قبل الحرب كان المعدل الرسمي للترمل لا يتجاوز 2 بالألف، أما اليوم فإنه من بين كل ست نساء سوريات هناك أرملة واحدة على الأقل.
ولا أريد أن أذكر أن خمس ملايين طفل سوري بحاجة ماسة للمساعدة، نصفهم لم يتلق أي نوع من التعليم ولم يلتحق بالمدارس... ولا أريد أن أخوض في عدد الأطفال المولودين في مخيمات النزوح داخلياً وفي دول الجوار ممن لم يعرفوا ماذا تعني كلمة بيت أو مدرسة أو ألعاب ...
لماذا نضرب عن الطعام؟ ولماذا لا نضرب ونحن من وصل بنا الشعور بالعجز إلى منتهاه؟
لماذا لا نضرب؟ ولماذا لا نضرب بعد أن تُركنا وحدنا نجابه أبشع أنواع جرائم الحرب على مرأى من الجميع ....؟
لماذا لا نضرب أمام صمت العالم ونحن الذين لم يعد لدينا شيء لنخسره...؟
بدأ بالإضراب المهندس برينا حاجي حسن في التاسع من شهر حزيران الماضي للفت أنظار العالم، وتحريك الرأي العام العالمي تجاه مأساة السوريين وما يحصل في إدلب اليوم... اتسعت دائرة المضربين ليصل عددنا اليوم إلى 96 مضرباً عن الطعام داخل سوريا وخارجها، وبيننا أجانب أمثال الشاعرة الإيطالية "فرانشيسكا سكالينشي" والأمريكي "غوري ستراغان".
بعض المضربين باتت حالتهم الصحية حرجة بعد أيام الإضراب الطويلة... بريتا حاجي حسن رئيس مجلس مدينة حلب الحرة السابق واللاجئ حالياً في باريس أراد أن يقول للعالم أجمع "أرجوكم أوقفوا القتل"، ومن تبعه وسانده أردنا أن نقول:"لا نملك إلا جوعنا علكم ترأفون ببلادنا...".
علّ الاضراب يستطيع أن يوصل صوت عذابات إخوتنا تحت القصف إلى أصحاب القرار السياسي العالمي، علّ جوعنا وضعفنا يستطيع أن يفعل ما عجزت عنه السياسة.
*من كتاب زمان لوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية