أمن أجل هذا خرجنا من بيوتنا، وسحلنا في الشوارع والمعتقلات، وهربنا بما نستطيع حمله إلى شتات الأرض، وقُتل من نحب من إخوة ورفاق وجيران، وصرنا مضرب المثل في الجوع والتشرد والفقر، وتصدرنا نشرات الأخبار والدراسات التي تحصي الفقراء واللاجئين والغرقى.
أمن أجل هذا... يضطهدنا القريب قبل الغريب، الشقيق، الصديق، والعدو بات أقرب إلينا كما يدعي من أهلنا وأبناء جلدتنا، وها نحن نهرب من أرض إلى أخرى حالمين فقط بسقف وقليل من المال الذي يمنع عنا مدّ اليد وسؤال الناس والغرباء عن طعام وأمان.
اليوم يقف السوري البسيط أمام السنوات التي مرت على قراره بالخروج إلى الشارع مطالباً ببعض الحرية وكثير من الأمل، ويحسب كم دفع كرمى هذا اليقين الذي اعتراه ساعة سماعه لأصوات تنادي باحلامه البسيطة، وسيهمس مواسياً نفسه أن كل ما تهدم ودمر يمكن تعويضه، ولكنه سيقف أمام السؤال الصعب من أجل منْ كان كل هذا الرحيل الطويل؟.
منْ هؤلاء الذين يتصدرون مشهد النطق باسمه في كل محفل ومؤتمر، وجاهداً يعرف أحدهم، ولقد تغيرت الوجوه الولى التي كان يعتقدها تشبهه، وتنطق بأدق أوجاعه وسرائرها، وانكشف له بعد حين ودم كثير حجم الخديعة والكذب الذي مارسوه فقط من أجل أن يقفوا قليلاً على منابر الضوء، ويهنأوا ببعض المال الصعب وحسابات البنوك، والليالي الحميمة في فنادق فارهة، وأما هو فكان يجر أبناءه إلى حتوفهم في البحر والبر.
هم نفسهم من باعوه جوازات السفر المزورة بالعملة الصعبة، وهم من تنازلوا بهدوء عن أحلامه الصغيرة حتى باتت قضاياهم في الدفاع عنه من تهمة الإرهاب، ولذلك هم نفسهم من تحالفوا مع الشيطان ليدفعوا عنه تهمة الخروج عليه.
هم نفسهم من ضللوه ليخرج من بيته بعد حصار لكي يقولوا له يكفي أننا أخرجناك من فم الأسد إلى عصا اللجوء وهوانها، وهم نفسهم من عقدوا الصفقات المشبوهة مع من يدفع أكثر ليرفعوا رايته، وهو نفسه من باعهم مع الجميع في لحظة قوة فارقة.
أما صغار المرتزقة فقبلوا أية هبة مالية باسم الله تارة وباسم العلمانية والدولة الحديثة تارة أخرى، وبنوا صوامع إعلام يقوم على أكتاف الجهلة والمبتدئين مقابل أن يتم حذف أي صوت حقيقي لا يقدم فرائض الطاعة، وعليه أن يختار إما الجوع او قبول القليل بذل المحتاج.
ومن الباب الخلفي دخل سماسرة الأمس، والذين كان يحملون راية الدفاع عن الطغاة كبر شأنهم أم صغر، والأبواق التي كانت تصفق وفق المثل (من تزوج أمي أقول له عمي) والتي أصبحت ناطقة باسم المسفوحة دماؤهم كرمى هواء الحرية.
في هذه اللحظات الفارقة من تاريخ سوريا المتشظية والمشيطنة، وقبل اي حديث عن بارقة امل بعيدة، وبعد أن تكاثر أعداؤهم يجب عليهم أن يتفقوا أولاً على أمر واحد ربما يصلهم إلى الأمل...من اغتصب هتافهم الأول، ومن استثمره حتى التخمة، ومنْ سرق ثورتهم واغتصبها باسمها وتحت رايتها؟.
*من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية