أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عبرة لمن يعتبر .. سلوك ابنها المنحرف.. عصف بسنوات التعب والعذاب

.. التقينا مصادفة، جمعتنا سيارة أجرة تتجه إلى وسط البلد, المصادفة غريبة, لكن القصة أغرب، هي سيدة جاوزت الخمسين من العمر، كانت تقصد أحد المسؤولين ليساعدها في قضية ابنها المسجون..

حيويتها مدهشة وحماسها في الحديث عن زياد المسجون للمرة الثالثة على التوالي غريبة فيها من الجرأة ما يدفع إلى الاعتقاد أن لا ذنب لابنها في كل هذه السنوات التي قضاها في السجن، بدليل أنها روت القصة دون حتى أن نسألها. ‏

بداية القصة

أم زياد... هي ربة منزل لم تكن تتقن أي عمل خارج البيت عندما هجرها زوجها مع طفلين أكبرهما زياد الذي كان عمره /8/ سنوات، وشقيقته عبير... ولعلها قطعت الأمل مبكراً من عودته... هي لم تقل ذلك صراحة أثناء حديثها لكنها فعلت ما يعبر عنه إذ لم تكن خياراتها في متابعة الحياة على أساس عودة زوجها قريباً، وانصرفت إلى التفكير العملي بتربية ابنها الوحيد وتمكينه من إكمال تعليمه... واهتمت أيضاً بابنتها عبير، لكن اهتمامها الأساسي تركز على زياد ومستقبله، فعملت من أجله في مهن لم تكن تتوقع أن تعمل فيها.. دخلت بيوت الناس كخادمة... عاملة تنظيف... طباخة... جليسة أطفال أي (بيبي ستر) كما يقولون في المسلسلات. ‏

... كبر زياد، وحصل على الشهادة الإعدادية، وصارت الهموم اكبر والمصاريف أكثر، ومع ذلك أصرت على أن يتابع ابنها الدراسة حتى ينال شهادة البكالوريا، وقد وقف الحظ إلى جانبها في هذه المرحلة عندما تزوجت ابنتها من شاب منتج يملك بيتاً وهو من أسرة ميسورة نوعاً ما... هنا اعتقدت أم زياد أن الحظ فتح لها ذراعيه وان الحياة أصبحت أسهل، فقد نال زياد شهادة البكالوريا وتمكنت من إيجاد وظيفة مناسبة له بمساعدة البعض من أهل الخير كما تقول... لكن أم زياد اكتشفت متأخرة أن غياب الأب أحد أركان الأسرة له ثمنه الباهظ، لقد أصبح زياد رجلاً، صاحب وظيفة وبدل أن يتحول إلى فرد منتج في الأسرة... أدار لها ظهره, لم يعد يسمع كلام أمه، أصبح كثير الغياب عن البيت... ولم تكتشف أم زياد بأي اتجاه كان يدور الزمن إلا بعد تلقيها هاتفاً يخبرها أن زياد في السجن. كان للمفاجأة وقع الصاعقة، كادت الأم تنهار... إنهم رفاق السوء الذين التمّ عليهم زياد وقد علموه شرب الخمر والحشيش والسرقة... تمالكت المرأة أعصابها وجمعت بقايا إرادتها وراحت تطرق أبواب (فاعلي الخير) لمساعدتها في إخراج زياد من السجن ونجحت.. وعاد زياد إلى العمل لكنه عاد إلى رفاقه وإلى ليالي السمر بعد كل عملية سرقة, ورغم ان السرقات لم تكن من (النوع الثقيل) بل اقتصرت على بعض المبالغ المالية والدراجات، لكنها كانت كافية لإعادة زياد مجدداً إلى السجن..! ومجدداً بذلت الأم كل طاقتها وما تملك من مال قليل لإخراج الولد العاق من السجن... لكن الخيبة كانت تأكل روحها وتدفعها إلى اكتشاف مزيد من الأخطاء التي ارتكبها الزوج بحقها وحق أولاده، أخرج زياد من السجن للمرة الثانية... وعاد إلى البيئة نفسها وتحول الأمر إلى العلن وأدى إلى ضغوط جديدة على الأم أولها جاءت من زود ابنتها وأسرته التي شعرت بالحرج من سلوك زياد ومسيرته الشائنة، ثم من عمله حيث راح التهديد بالفصل من الوظيفة يلاحق زياد وأمه.. المؤلم أن كل ذلك لم يشكل أي نوع من الردع لهذا الشاب الذي بدا أن سوس الرذيلة قد تملكه.. ولعل اخطر نتائج هذا السلوك هو وصول زياد إلى شعور مفاده أن لا أحد له كلمة عليه مطلقاً وأنه صاحب قرار.. وربما شعوره هذا هو الذي دفعه إلى مواصلة سلوكه الشائن ضارباً عرض الحائط بسنوات طويلة من التعب والجهد والسهر لأم جعلت تربيته هدف حياتها. ‏

ولأن الجرة لا تسلم في كل مرة، فقد شكل دخول زياد السجن للمرة الثالثة ضربة (قاضية) للأم، حيث ألقي القبض عليه أثناء ارتكابه إحدى جرائم السرقة التي مارس خلالها الكسر والخلع والتهديد بالسلاح وحولته الشرطة إلى المحكمة التي حكمت عليه بالسجن أربع سنوات... زياد الآن في السجن ووالدته التي اجتمعنا معها مصادفة تصر على شرح قصتها وقصة ابنها لأي شخص تصادفه ليس من أجل طلب المساعدة للإفراج عنه... لكنها تشرح القصة كي تجعل منها عبرة لكل من يعتبر... تشرح وهي تعلم أن ابنها الوحيد الذي ربته بغياب كامل للأب تحول من موظف منتج وفاعل في المجتمع إلى مجرم مطرود من عمله وعاطل عن العمل وعالة على المجتمع بعد ان يخرج من السجن.. تعلم ذلك كله ومازالت تحاول إخراجه من حبسه العادل... ولماذا تحاول فك سجنه؟! ببساطة لأنها أم. ‏

غياب الأب عامل من عوامل الانحراف ‏

للوقوف أكثر على غياب الأب عن المنزل وتأثير رفاق السوء التقينا المرشدة الاجتماعية أسماء العمري التي أكدت أن غياب الأب عن المنزل يعدّ من العوامل المساعدة على الانحراف، لأن غيابه قد يتسبب في تفكيك الروابط الأسرية والتحلل من القيود والضوابط وبالتالي الانضمام إلى رفاق السوء الذين يصبح تأثيرهم على الفرد أكبر من تأثير أسرته عليه فهذه البيئة السيئة من الأصدقاء تعد أيضاً عاملاً مساعداً لارتكابه أعمالاً منافية للقانون... وتتابع السيدة العمري: إن للانحراف آثاراً سلبية ليس على الفرد فحسب، بل على أسرته، لأن هذا السلوك السيئ يخلق للأسرة مشكلات متعددة أهمها الانشغال بمشكلة الابن والقلق الدائم... مما قد يتعرض له نتيجة ارتكابه تلك الأفعال و الخوف على مستقبله.. إضافة إلى النظرة الاجتماعية لأسرة المنحرف وتأثير ذلك على علاقاتها الاجتماعية ما يجعلها في شبه عزلة عن الآخرين. ‏

الهام العطار
(138)    هل أعجبتك المقالة (122)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي