أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في مديح الخيانة... مزن مرشد*

صلاح جديد وحافظ الأسد - ارشيف

لم تكن الخيانة يوماً، إلا فعلاً شائناً، ولا تصدر إلا عن شخص لا يستحق لقب إنسان. فالخيانة طبع، والطبع هذه المرة دساس.
لكن للإخلاص أيضاً سيئات، قد لا يشفع فيها كل المدائح والقصائد والغنائيات.

انقلب حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا على السلطة في آذار 1963 وتسلم الحكم وأطلق عليها ثورة ... نعتها بالمجيدة والمباركة وثورة العامل والفلاح.

كان حافظ الأسد قد سُرح من الجيش بعد الانفصال ونقل إلى مديرية النقل البحري في وزارة الاتصالات، لكنه عاد وبقوة إلى المشهد العسكري والسياسي معاً، بعد أن شارك في انقلاب الثامن من آذار وتسلم وزارة الدفاع.

بدأ وزير الدفاع البعثي المنقلب، بتسريح الضباط الأكفاء من الجيش السوري وتعيين الضباط الحزبيين الأقل كفاءة وتسليمهم المواقع القيادية الحساسة في الجيش.

في حزيران 1967 دعا حافظ الأسد إلى الحرب مع الكيان الصهيوني بحجة تحرير فلسطين واستعادة الأرض السليبة -وكان قبل ذاك الوقت على علاقة وثيقة بالمدعو "كامل أمين ثابت"، والذي تبين فيما بعد أنه الجاسوس الإسرائيلي إيلي "كوهين"، الذي أعدم في 18 أيار1965- فانضمت لدعوته مصر والأردن والعراق وبدأت ساعة الصفر، لكن القوات السورية لم تنضم للمعركة إلا بعد 22 ساعة من بدايتها، ولولا هذا التأخير لما كانت صمدت إسرائيل، التي لم تكن قادرة على المواجهة في عدة جبهات آنذاك وقد ذكر اسحق رابين في مذكراته أن القوات الإسرائيلية في تلك الساعات مشغولة في جبهات مصر والأردن، وما كان باستطاعتها تحمل ضغط جبهة أخرى تُفتح عليها.

قبل سقوط القنيطرة بساعات أعلنت إذاعة دمشق سقوطها بأوامر من وزير الدفاع، ما حطم معنويات الجنود فالقنيطرة هي الخط الخلفي للجبهة وبسقوطها اعتبروا أن جبهة الجولان كاملة قد سقطت.

تلمس صلاح جديد خيانة حافظ الأسد وشعر بخطره على البلاد في حال استمراره، فعقد دورة استثنائية للمؤتمر القومي العاشر لحزب البعث من 30-12 تشرين الأول 1970، انتهى المؤتمر إلى إقالة كل من وزير الدفاع حافظ الأسد ورئيس أركانه مصطفى طلاس من منصبيهما.

لكن الأسد سرعان ما حرك القطعات العسكرية التابعة له في 13 تشرين الثاني 1970 واعتقل صلاح جديد الأمين العام للحزب -الذي ظل معتقلاً حتى توفي في سجنه في 19 آب 1993- ونور الدين الأتاسي رئيس الجمهورية، ويوسف زعين رئيس الوزراء، وأعضاء القيادة مصطفى رستم ومروان حبش ومحمد عيد عشاوي ومحمد رباح الطويل وفوزي رضا.

وفي السادس عشر من تشرين الثاني قام بانقلابه الأخير المعروف بالحركة التصحيحية، وجاء بعدها بمسرحية نصره في حرب السادس من تشرين الأول لتكون الفصل الأخير في تثبيت حكم "بطل التشرينين" الممانع الأول والوطني الأول والقومي الأول والـ ... الأول أيضاً، ليمكث على صدر السوريين ثلاثين عاماً ويورث الحكم لابنه وكلنا نعرف بقية الحكاية.

قبض الأسد ثمن خيانته باستقرار حكمه وتوريث ابنه، لتكون "إسرائيل" الكلمة المفقودة في بقاء حكم هذه العائلة بالرغم من كل ما فعلته بالبلاد من إفساد وقتل وتنكيل، وبالرغم من كل الجرائم الموصوفة التي اقترفها الأسد الابن بحق شعبه.

في حين قضى الوطنيون الحق في السجون على يد الخونة، ويقضي الأحرار اليوم بين قتل وقصف وسجن وسيف، ومن نجا من المقتلة يقع تحت وطأة الحزن والقهر ليتفتت كبد المبعدين بنار الشوق والحزن والعجز.

أما الشخصيات السورية التي تتصدر المشهد السياسي السوري اليوم، فخلال سنوات ثمان لم نشهد منها أي تقدم على مستوى القضية، ولم نلمس سوى مماطلات، ومماحكات، وتخوينات، قد يأتي اليوم الذي نستطيع فيه أن نؤرخ لمئات من "كامل أمين ثابت".

فهل يكون ثمن الخيانة انتصارا، وثمن الإخلاص موت وانكسار؟

*من كتاب زمان الوصل
(284)    هل أعجبتك المقالة (315)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي