أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قبلة أدونيس... ماهر شرف الدين*

أدونيس في زيارة خاصة لمكتب السفير السوري الذي ساهم في اختطاف وتسليم مئات السوريين في لبنان

لو بقيَ لدينا مجلَّات ثقافية عربية حقيقية، لكان يجب أن تخرج أغلفتها مُصدَّرةً بصورةٍ وحيدةٍ هي صورة أدونيس وهو يُقبّل سفير بشار الأسد في لبنان علي عبد الكريم علي.

بالطبع ما يجعل لهذه الصورة "قيمةً" ليس فقط مادَّة الفضيحة التي تحتويها، باعتبار أن شاعراً شهيراً مرشَّحاً لـ"جائزة نوبل للآداب" يقوم بتقبيل أحد رموز الإبادة في سوريا، بل لأنها أولاً تفضح حقيقة الخطاب المعادي للثورات العربية، والذي يحاول اليوم الادّعاء بأنه خطابٌ نقديّ نجح في استشراف المستقبل.

***
قام الخطاب الثقافي المعادي للثورات العربية على ركيزتين دعائيَّتَين سعى إلى إلباسهما هيئة الفكر والنقد والعقلانية.

الركيزة الأولى هي القول بأنَّ الثورات العربية ليست مدنية بل دينية.

الركيزة الثانية هي القول بأنَّ الشعوب العربية غير مؤهَّلة للديموقراطية.

كان أدونيس أبرز من حمل لواء هذا الخطاب. ونظراً للمكانة التي يتمتَّع بها، فقد تضاعف حجم الدور الذي أدَّاه كـ"مرشد أعلى" لهذه الزمرة من المثقفين الذين امتلأت كتاباتهم بمفردات الحرية، وما إن دقَّت الثورة باب مناطقهم حتى كشفوا عن أنفسهم كأفرادٍ في حاشية الاستبداد.

في مطالع الثورات العربية، "تورَّط" أدونيس بمديح ما حصل في تونس ومصر، ولكن ما إن اندلعت الثورة في بلده سوريا، الذي تحكمه عصبةٌ من العسكر المنتمين –ويا للمصادفة- إلى طائفته الدينية، حتى انقلب على عقبَيْه، وشتم ما كان قد امتدحه سابقاً.

وأثناء محاولته اليائسة لتبرير انقلابه هذا، وازدواجية معاييره في مديح ثورة وهجاء أُخرى، راح يختلق بعض الفروقات الوهمية (ذكر مرَّةً أنَّ الثورة في مصر أعطت دوراً للمرأة على عكس الثورة في سوريا! دون أن يشرح معنى ذلك!). 

الجملة المفتاحية لكلّ الخطاب المعادي للثورة السورية صاغها أدونيس بنفسه من خلال إعلانه بأنه لا يُؤمن بـ"ثورة تخرج من المساجد". علماً بأنَّ الخروج من المساجد كان يومذاك أشبه بـ"الحيلة اللوجستية" للكثير من المتظاهرين المدنيين، باعتبار أنَّ المسجد كان المكان الوحيد الذي يسمح فيه النظام بالتجمُّع. وقد ردَّتْ لافتةٌ رُفعت في مدينة دير الزور على أدونيس بالقول بما معناه إنَّ "نظامه" لم يبنِ للسوريين سينما أو مسرحاً أو دار أوبرا ليخرجوا منها.

التهافت في خطاب أدونيس المعادي للثورة السورية، لم يقتصر على هذه المفارقات المتقاربة زمنياً، بل هو أيضاً تهافت "تاريخي" على المستوى الشخصي إذا جاز القول. فلمن لا يعرف، كان أدونيس من أكثر المؤيّدين لثورة الخميني في إيران سنة 1979، ومن أكثر المتحمّسين لها، إلى درجة أنه نشر، سنتذاك، قصيدةً عصماء في مديحها، بل ومديح مساجد مدينة قمّ التي خرجت منها! وقد حملت القصيدة، التي نُشرت في جريدة "السفير" اللبنانية، عنوان "تحية لثورة إيران". ويقول مطلعها: "أُفقٌ ثورةٌ والطغاةُ شتاتُ/ كيف أروي لإيران حبّي". إلى أن يقول: "سأغنّي لـ قمّ لكي تتحوَّل في صبواتي/ نارَ عصفٍ، تطوفُ حول الخليجِ".

وفي المنبر ذاته، أي جريدة "السفير"، عاد أدونيس – بعد أكثر من ثلاثة عقودٍ من نشر قصيدته المذكورة – لينشر رسالةً مطوَّلةً إلى من خاطبه بـ"السيّد الرئيس بشار الأسد"، والذي كان قد قتل وجرح، حتى تاريخ كتابة الرسالة، الآلافَ من السوريين!

في تلك الرسالة، التي تحمل صيغة المناشدة من أجل "الإصلاح"، لم يكتفِ أدونيس بإسباغ صفة الفداء على الأسد (باعتباره "يفتدي" أخطاء "حزب البعث")، بل ذهب إلى القول بأنه "رئيس منتخب": "بوصفكَ خصوصاً رئيساً منتخباً"!! ("السفير"، 14 حزيران 2011).

***

اليوم، يتنقَّل أدونيس بين المنابر الإعلامية متباهياً بأنَّ "رؤيته" قد تحقَّقت، وبأنَّه عرف منذ البداية بأنَّ ما يحصل ليس من الثورة بشيء، لأنَّ الحراك الشعبي لم يتقيَّد بجملة الاشتراطات التي وضعها، هوَ، لتعريف الثورة.

وفي غمرة حماسته لتحقُّق "نبوءته"، يقوم بزيارة خاصَّة إلى مكتب السفير علي عبد الكريم علي، الذي ساهم في اختطاف وتسليم مئات السوريين في لبنان إلى سجون التعذيب والموت، والذي "يصادف" أيضاً أنه من أبناء طائفته الدينية، ليأخذه بالأحضان ويطبع على خدّه قبلة النصر.

*معارض سوري - من كتاب زمان الوصل
(226)    هل أعجبتك المقالة (230)

عبد الله

2019-07-05

عنزة و لو طارت..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي