أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وقاحة الادعاء... حسين الزعبي*

أرشيف

 يقال إن من أسباب قوة الثورة السورية في مرحلتها الأولى التي يمكن أن نحددها زمنيا ‏بشكل تقريبي في الفترة الممتدة من ربيع 2011 إلى أوائل العام 2013 هو عدم وجود ‏قيادة مركزية تتحكم في مسارها وتنهي حالة الطابع الشعبي لها.‏

قد يكون هذا التصور صحيحا لجهة عدم وجود قوة سياسية واحدة قادرة على توجيه مسار ‏الثورة وفق مصالحها التي قد لا تتفق مع المصالح العامة للثورة، ويعتد أصحاب هذا ‏التصور بالإشارة إلى أنه لم تتمكن أي قوة في تلك الفترة من وأدها أو توجيهها وجهة بعيدة ‏عن المسار التي انطلقت من أجله وتحت شعاراته.

إلا أن لا حق الأيام كشف عدم صواب هذا الرأي فمن عمل بشكل حثيث للتحكم بمساراتها ‏حقق ما أراده، واستطاع إلباسها ثوبا "إسلاميا" مستغلا وحشية النظام وانكفاء القوى ‏المدنية وابتعادها عن واقع الأرض ودخولها في صراعات جانبية، بينما كانت القوى ‏‏"الإسلامية" تتحكم في يومياتها "المعاشية" والعسكرية وفي الوقت نفسه عملت، ‏واستطاعت، أن تبطل مفعول أي طرف آخر لا يتفق مع رؤاها، المختلفة أساسا عن رؤى ‏الثورة، سواء أكان هذا الطرف سياسي أم عسكري أو حتى مجتمعي.‏

واستطاعت أن تفرض سيطرة شبه كاملة على مناطقها، ولكنها أيضا فشلت فشلا ذريعاً ‏في إدارة مجتمعات محلية، فرفعت الوضيع وأهانت الكريم وأبعدت صاحب الاختصاص ‏لصالح صاحب الولاء وهو مرض عام لا تختص به شريحة دون أخرى، لكن يصبح أكثر ‏فتكا عندما يصبح هذا الولاء المقياس الوحيد حتى داخل الشريحة الواحدة.

إلا أن ما هو أدهى وأمرّ، ثقافة الادعاء، فللكون رب واحد، وللثورة السورية أرباب ‏وأرباب، وكلهم يملكون الحقيقة المطلقة، وكل منهم حمل آلام البشرية، كما المسيح.

وهذه ‏يمكن تجاوزها والنظر إليها كمحاولة لاكتساب شرف لا يستطيع أحد نسبه إلى نفسه، لكنها ‏تصبح أكثر أذية عندما تنتقل الحالة من ثقافة الادعاء إلى "وقاحة الإدعاء" عندما يتعاطى ‏صاحبها معها وكأنها واقع وحقيقة كونية، رغم معرفته أنه يكذب ويعلم أننا نعلم أنه يكذب، ‏وتأخذه العزة بالإثم إلى المرحلة التي يصبح فيها منظرا وخبيرا ومرجعا في قطاعه ‏وتخصصه المبني أساسا على كذبة، وهذا التصور الذي أتمنى أن أكون مخطئا فيه بتنا ‏نلاحظه في كل المناحي، فليس حافظ الأسد فقط من كان الفلاح الأول والعامل الأول ‏والطالب الأول..فبيننا أيضا الصحفي الأول، والإعلامي الأول، والكاتب الأول، ‏والروائي الأول، والسياسي الأول.. وكلهم يذكرونني بالمثل الشعبي القائل: "ما أكذب من ‏شب تغرب إلا ختيار ماتوا ربعو".‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(181)    هل أعجبتك المقالة (184)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي