هذا الاسم الذي اختاره لي أبي عندما ولدت في فرنسا في عام ١٩٨٨، لم يشأ أن يطلق علي اسماً فرنسياً، ولا اسم أحد القديسين أيضاً، فقد رباناني أن أكون سورياً فقط، دون أية دلالات تفرقني عن الباقين لا بالدين ولا بالمتقد.
أبي طبيبٌ جراح آمن بسوريا وأخلص لها…
في طفولتي، بحثت كثيراً عن معنى اسمي -سرمد- فاكتشفت انه يعني الليل الطويل الذي لا ينتهي أو المدة التي لا تنتهي، مرادف قريب للأزل، فرحت وقتها بأنني سوف أعمّر طويلاً، أليس لكل من اسمه نصيب؟!
أنهيت جامعتي في كلية الاقتصاد وسُحبت لخدمة العلم، كان أبي الطبيب قادراً على دفع بدل الخدمة، لكنه قال لي إن لم ندافع نحن عن بلادنا فمن سيفعل؟؟
إنه جيش الوطن … التحقت فيه فقامت الثورة.
من رفض إطلاق النار أعدمه الجيش الباسل، وشهدتُ إعدام اثنين من رفاقي ميدانياً بسبب عصيان الأوامر فانشققت…
نعم انشققت وهربت من جيش العصابة لكني لم أعد لحضن والدي، ولا إلى سريري الوثير، ولا إلى الحياة المريحة والآمنة التي كنت أعيشها ... كنت أعلم تماماً، السهولة التي تمكنني من العودة إلى فرنسا وأنا المولود فيها لكنني لم أشأ أن أخون سلاحي.
والدي كان يومها معتقلاً منذ ستة عشر يوماً، بتهمة علاج الجرحى الإرهابيين.
لم أعلم باعتقاله، ولم يعلم باستشهادي إلا بعد خروجه من معتقلات الوطن.
سمعت بعد استشهادي أن بعضكم رفض الترحم علي لأنني مسيحي، وبعضكم رفض اعتباري شهيداً، لكن أكثركم قدّر ما فعلت.
قالوا عني بطل.. وقالوا شهيداً جميلاً، بكاني كثُر وأشفقوا على عائلتي لرحيلي المبكر، وصفوني بالثائر والمقدام والهمام، لكني لم أكن سوى سوري مخلص، أحب سوريا، وآمن بالثورة، ورفض أن يكون أداة قتل في يد العصابة.
هذه قصة الشاب الشهيد سرمد هيثم سعد ... ليست قصة فريدة في ثورتنا العظيمة، لكنها تستحق أن تكون مثالاً لكل منشق عسكري.
كثيرون هم المقاتلون المنشقون الذين ما إن استطاعوا الفرار من جيش النظام، حتى صاروا بين ليلة وضحاها، في دول آمنة، يطلون من صفحاتهم الزرقاء، يمنون علينا بانشقاقهم ونضالهم الكبير، ينعمون بدفء العائلة وفرحة الطفل الأول وأحلام المستقبل... ويقضي سومر ومن مثله تاركين خلفهم حرقةً لا تنتهي، وجرحٌ من الصعب شفاؤه، وهم من انتهت حياتهم قبل أن تبدأ...
ألا يفترض بالعسكري المنشق أن يكون مخلصاً لما انشق من أجله ويحمل السلاح له؟
واجبنا اليوم أن نمجد من يستحق التمجيد فقط فهل يستوي المنشقون؟
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية