أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

اسمي سرمد… مزن مرشد*

من ريف إدلب - جيتي

هذا الاسم الذي اختاره لي أبي عندما ولدت في فرنسا في عام ١٩٨٨، لم يشأ أن يطلق علي اسماً فرنسياً، ولا اسم أحد القديسين أيضاً، فقد رباناني أن أكون سورياً فقط، دون أية دلالات تفرقني عن الباقين لا بالدين ولا بالمتقد.

ترك أبي فرنسا بكل ما فيها، حملنا وعاد بنا إلى الوطن… كان يؤمن أن ما تعلمه في الخارج يجب أن يقدمه لبلده مهما كانت الظروف…
أبي طبيبٌ جراح آمن بسوريا وأخلص لها…
في طفولتي، بحثت كثيراً عن معنى اسمي -سرمد- فاكتشفت انه يعني الليل الطويل الذي لا ينتهي أو المدة التي لا تنتهي، مرادف قريب للأزل، فرحت وقتها بأنني سوف أعمّر طويلاً، أليس لكل من اسمه نصيب؟!

كبرت في سوريا، قضيت مراهقتي وشبابي في شوارعها القديمة، وأمضيت أجمل أيامي في حاراتها ومطاعمها وسهراتها، دمشق الجميلة التي أحبها.
أنهيت جامعتي في كلية الاقتصاد وسُحبت لخدمة العلم، كان أبي الطبيب قادراً على دفع بدل الخدمة، لكنه قال لي إن لم ندافع نحن عن بلادنا فمن سيفعل؟؟
إنه جيش الوطن … التحقت فيه فقامت الثورة.

طلبوا منا إطلاق الرصاص على إخوتنا المتظاهرين السلميين في حلب، في تلك اللحظة عرفت ما معنى الوطن ... عرفت أن جيش الوطن ليس إلا جيش عصابة، والوطن هناك على الضفة الأخرى مع الثوار…
من رفض إطلاق النار أعدمه الجيش الباسل، وشهدتُ إعدام اثنين من رفاقي ميدانياً بسبب عصيان الأوامر فانشققت…
نعم انشققت وهربت من جيش العصابة لكني لم أعد لحضن والدي، ولا إلى سريري الوثير، ولا إلى الحياة المريحة والآمنة التي كنت أعيشها ... كنت أعلم تماماً، السهولة التي تمكنني من العودة إلى فرنسا وأنا المولود فيها لكنني لم أشأ أن أخون سلاحي.

بقيت حاملاً للسلاح ولكن في صفوف لواء التوحيد في حلب واستشهدت برصاصة في الرأس من بندقية قناص من جيش الأسد في دارة عزة في الشيخ سليمان في معركة اللواء ١١١ في يوم ٩/١٢/٢٠١٢، لا أدري من أطلق رصاصته على رأسي قد يكون أحد ممن تشاركت معهم يوماً دورة الأغرار، أو ممن جمعتنا معاً خيمة نومٍ، فقضينا معظم الليل نطلق النكات ونضحك، ربما كان أحد أفراد كتيبتي القديمة…
والدي كان يومها معتقلاً منذ ستة عشر يوماً، بتهمة علاج الجرحى الإرهابيين.

لم أعلم باعتقاله، ولم يعلم باستشهادي إلا بعد خروجه من معتقلات الوطن.

سمعت بعد استشهادي أن بعضكم رفض الترحم علي لأنني مسيحي، وبعضكم رفض اعتباري شهيداً، لكن أكثركم قدّر ما فعلت.

قالوا عني بطل.. وقالوا شهيداً جميلاً، بكاني كثُر وأشفقوا على عائلتي لرحيلي المبكر، وصفوني بالثائر والمقدام والهمام، لكني لم أكن سوى سوري مخلص، أحب سوريا، وآمن بالثورة، ورفض أن يكون أداة قتل في يد العصابة.

هذه قصة الشاب الشهيد سرمد هيثم سعد ... ليست قصة فريدة في ثورتنا العظيمة، لكنها تستحق أن تكون مثالاً لكل منشق عسكري.

كثيرون هم المقاتلون المنشقون الذين ما إن استطاعوا الفرار من جيش النظام، حتى صاروا بين ليلة وضحاها، في دول آمنة، يطلون من صفحاتهم الزرقاء، يمنون علينا بانشقاقهم ونضالهم الكبير، ينعمون بدفء العائلة وفرحة الطفل الأول وأحلام المستقبل... ويقضي سومر ومن مثله تاركين خلفهم حرقةً لا تنتهي، وجرحٌ من الصعب شفاؤه، وهم من انتهت حياتهم قبل أن تبدأ...

أليس من المفترض بالعسكري الذي انشق عن جيش الأسد أن يتجه إلى فصيل مقاتل حر؟
ألا يفترض بالعسكري المنشق أن يكون مخلصاً لما انشق من أجله ويحمل السلاح له؟
واجبنا اليوم أن نمجد من يستحق التمجيد فقط فهل يستوي المنشقون؟

*من كتاب "زمان الوصل"
(209)    هل أعجبتك المقالة (247)

2019-07-01

الرحمة لروحه ولروح كل من نصر المظلومين الرحمة لكل من استشهد دفاعاً عن الحق والحرية ودفاعاً عن المظلومين.


2019-07-01

مزن مرشد قلمك بروعة أفكارك شعرت أن سرمد يحدثني الرحمة لروحه الطاهرة التي ارتقت إلى خالقها دفاعاً عن الحرية.


سامي

2019-07-02

المجد ... كل المجد لروحه الطاهرة . والصبر و السلوان لعائلته الكريمة ..


النعيمي

2019-08-03

رحمك الله ايها الوطني الحر.


التعليقات (4)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي