أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"الرئيس الضرورة".. إسرائيلياً... ماهر شرف الدين*

لم يُخطئ الحدس الشعبي السوري في كلامه المستمرّ عن الحرص الإسرائيلي على مصير بشار الأسد. وعلى الرغم من المبالغات الشعبية في تشخيص أسباب هذا الحرص، إلا أن الحقيقة التي باتت ناطقةً، حتى على أفواه مسؤولي الدولة العبرية، هي أنَّ بقاء الأسد هو بالفعل ضرورة إسرائيلية.

ما يجب الالتفات إليه في هذا الصدد هو أنَّ نقاش مصير أو مستقبل الأسد داخل الأروقة الإسرائيلية يختلف كلّياً عن النقاشات الجارية بشأن هذين المصير والمستقبل في أروقة الدول الأخرى. بمعنى أنَّ الأسد ليس رأس نظام يقاتل معارضيه، فيخسر أو ينتصر، بل هو لغمٌ كبيرٌ بقاؤه سيمنع قيام أيّ حلّ سياسي يمهّد لتعافي سوريا كدولة.

وبالطبع لا يحتاج المرء إلى القول إنَّ قوة إسرائيل لا يمكن أن تقتصر على قواها الذاتية فحسب، فهي تحتاج إلى ضعف المحيط أيضاً. فهي -إذا صحّ التعبير- قوَّة تكاملية، بمعنى أنها تقوم على التوازي بين قوَّة الذات وضعف العدو.

وبهذا الحساب، الذي يقول بأنَّ نصف قوَّة إسرائيل يكمن في ضعف أعدائها - جيرانها، يصبح بشار الأسد، من وجهة النظر الإسرائيلية، أهمّ لإسرائيل من بنيامين نتنياهو الذي يمكن استبداله برئيس وزراء آخر، بينما لا يمكن استبدال الأسد بشخص آخر يستطيع القيام بما قام ويقوم به.

في الثوابت التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي، كانت دمشق على الدوام هي عاصمة المواجهة. ففلسطين ليست دولة شقيقة يجب نصرتها، أو أرضاً عربية سليبة يجب استعادتها، أو مكاناً مقدَّساً يجب تطهيره، بل هي -بكلّ بساطة- سوريا الجنوبية. إنها أرض شامية تدور في فلك دمشق، تماماً كما تدور أراضي حمص وحماة وحوران، وطبعاً الجولان.

تحييد سوريا بمعاهدة سلام، كما حصل مع مصر، لا يبدو كافياً بالنسبة إلى مستقبل إسرائيل. أصلاً لقد حيَّد آل الأسد سوريا عن الصراع من دون معاهدة.

تحييد سوريا -إسرائيلياً- لا يكون إلا بتفكيكها، والذي هو على كلّ حالٍ جزءٌ مهمٌّ من الحلم الذي وصفه كاتب سيرة ديفيد بن غوريون، ميخائيل بار زوهر، بأنه "حلم بن غوريون الذي لم يتحقَّق"، والذي يبدو بأن بشار الأسد قد حقَّقه فعلاً.

لذلك، مع هبوب رياح الثورة السورية التي تمَّ تحويلها بقوَّة المجازر الرهيبة إلى حرب طاحنة، برز بشار الأسد، إسرائيلياً، كأداة لا مثيل لها لتحقيق الحلم الذي لا مثيل له.  

فقد فهمَ الإسرائيليون جيّداً بأن الأسد هو عنوان الصراع الجاري في سوريا، وهو الحاجز الذي يحول دون الوصول إلى أيّ حلّ. لذلك فبقاؤه هو ضرورة إسرائيلية لاستمرار التفكُّك وديمومة الصراع الأهلي في سوريا. إنه ببساطةٍ ضمانةٌ لسوريا المفكَّكة والضعيفة؛ أي "المثالية" بالنسبة إلى إسرائيل.

في أدبيات "حزب البعث"، الذي حكم سوريا والعراق، اشتُهر مصطلح "القائد الضرورة" و"الرئيس الضرورة". والحقّ أنه لم يحدث يوماً أن كان ثمة شخص في سدَّة الحكم يفي هذا المصطلح حقَّه مثلما هو حال بشار الأسد. فهو "الرئيس الضرورة"، ولكنْ إسرائيلياً.

*معارض سوري - من كتاب "زمان الوصل"
(221)    هل أعجبتك المقالة (235)

محمد ناجي عيد

2019-06-28

تحليل رائع وحقيقي .فعلا لن يكون هناك حل ولا مستقبل لسورية والسوريين وبشار الاسد يحكم سورية ..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي