عانى اللاجئون السوريون في الأسابيع الأخيرة من هجمة كبيرة على تواجدهم بدول الجوار بين سعار عربي عنصري اللهجة، واتخاذ إجراءات شديدة ضدهم في تركيا وبعض الدول الغربية، وأحزاب عنصرية في الدنمارك طالبت بنقلهم إلى جزيرة مخصصة للمجرمين وتجار المخدرات.
طبعاً ما يؤلم أكثر هو جور ذوي القربى، وخصوصاً تلك الدعوات التي يقودها وزير خارجية لبنان جبران باسيل وتحميلهم وزر الحالة الاقتصادية المتردية، وآخرها دعوات من شخصية اعتبارية إلى استعمال سلاح حزب الله ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين بدعوى منع توطينهم الذي تسعى لتعزيزه (صفقة القرن).
ولكن ما هو أكثر قسوة هي تلك الأخبار التي تناقلها سائل إعلام محلية عن معاملة سيئة يتلقاها المهجرون من ريفي حماة وإدلب في المناطق المجاورة للحدود التركية من ملاك الأراضي التي يتم بناء الخيام عليها مقابل مبالغ مالية كبيرة، وأن البعض يطلب مقابلاً بالدولار.
عائلات تتحدث عن رحلة البحث عن مكان للخيمة دون مقابل، وفي أحسن الأحوال يمكن أن تجتمع أكثر من عائلة لتحمل وزر تكاليف بناء خيمة نزوح جديدة وأين..حيث من يسمون بالأهل كما يقول البعض، ولكن الواقع يقول عكس ذلك، ليست سوى تجارة تزيد من أعباء الهاربين من الموت إلى حيث موت بالدولار هذه المرة.
هذه الحادثة ذكرتني بهجرة أهالي شرق البلاد بين عامي 2007-2008 بسبب حصار النظام لهم ومنعهم من زراعة القطن مما اضطرهم إلى الهجرة إلى ريف دمشق ومناطق في الجنوب السوري، ونصبوا خيامهم ومنهم من حمل معه بعض رؤوس الماشية الناجية من الموت جوعاً.
ذات يوم اتصل بعض هؤلاء ممن وجدوا مكاناً لخيامهم في بساتين إحدى مدن الغوطة، واشتكوا من قطع البلدية للكهرباء عنهم، وأن الفلاحين طلبوا منهم 2000 ليرة سورية أجرة لنصب الخيمة الواحدة، وهم الفارون من التصحر الذي طال أراضيهم، وقلة حيلتهم معتقدين أنهم سيجدون من يستقبلهم بالرحمة لأنهم في الهم سواء.
وبغض النظر عن مبررات البلدية في هكذا اجراء إلا أن ما لم يكن مبرراً هو ما فعله فلاحو هذه المدينة بحق أقرانهم المهجرين في وقت كان فلاح الغوطة يعاني من الصرف الصحي ومياه الدباغات ومعامل الرخام التي حولت الأراضي الخضراء إلى أراضٍ كلسية بيضاء.
إن كان الآخر يعاملنا بقسوة فجة ونصرخ لإنصافنا من هول العنصرية، ونطالب الأحرار في تلك البلدان بالوقوف إلى جانب المظلومين منا فما الذي يمكن أن يقال بحق أولئك الذين يتاجرون اليوم بمعاناة أهلهم الفارين من جور المعارك الطاحنة والقصف المدمر لكل ما هو حي.
وفي هكذا ملمات عادة ما تجسد روح التعاضد، والروح الواحدة، والألم الواحد الذي يدفع الناس لمؤازرة بعضها، وخاصة أن المؤسسات المعنية السياسية والإغاثية لا حول لها ولا قوة سوى إصدار بيانات التعاطف فيما تتواصل عمليات القصف والتدمير من قبل النظام وأعوانه.
وماذا عن قسوتنا.. وبالدولار*

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية