أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حتى القتلى..بعضهم بسمنة وبعضهم بزيت... عدنان عبد الرزاق*

يحاول الفرار من القصف وبين يديه طفلته في ادلب - جيتي

تطفو أحداث إيران، شئنا أم أبينا، على أخبار وربما هواجس المنطقة والعالم، والأسباب هنا أكثر من أن تحصى، فلكل مهتم مبرراته وأسبابه وحتى موقفه، منها ما يتعلق بدور ووزن إيران وتاريخها واقتصادها، الذي يمكن، إن ضربت، أن تشعل العالم، وإن يغلب على مواقف، معظم السوريين والعرب، الترحيب بضرب إيران، علّ بذلك، لجمها عن حلمها الفارسي التوسعي، الذي ومنذ أن حطت الطائرة الفرنسية عام 1979 تقل الخميني، لم تر المنطقة الهدوء ولم تسلم من التهديدات.

بيد أن الواقع والمؤشرات وحتى تاريخ أمريكا الحديث، منذ أوباما على الأقل، لا تدلل على ضربة وإشعال حرب، قد لا تكون إسرائيل ودول الخليج، بعيدين عن أوراها، لكن هذا لا يعني البتة، ترك واشنطن طهران تتمرد، فإن لم يك من ضربة اليوم، فقد تكون غداً، وإن بأشكال ناعمة بعض الشيء، من قبيل تشديد الحصار والعقوبات، حتى يصل نباح طهران إلى قبرص.

ولكن، وبصرف النظر عن الضربة، توقيتها وحجمها وطرائقها، ثمة تصريحات لافتة، إن لم نقل جارحة، صدرت بالأمس عن الإدارة الامريكية. منها ما ساقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كسبب تراجعه عن قرار توجيه ضربات لإيران. 

ففضلاً عن "لست في عجلة من أمري" قال ترامب: كان من المفترض أن تستهدف الضربة ثلاثة، ولكن قبل شنها بعشر دقائق، تم إبلاغه أنها ستؤدي إلى مقتل "150 شخصاً" ما دفعه للتراجع، تحت ضغط الإنسانية طبعاً، ليؤجل أو يلغي مواجهة طهران عسكرياً.

ولم تبتعد بالإنسانية، رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، بل رحبت بإلغاء الضربة لأنها ستخلف من الأضرار الجانبية سيكون أمرا مستفزا للغاية.

إنسانياً، تثير هذه التصريحات ارتياحاً لدى أي كائن يحمل مشاعر ويعرف أو رأى، الموت وآثاره على من يتركه المقتولين من أحياء، لكن السؤال لماذا تفيض المشاعر الانسانية هنا، وتتجلمد هناك.

بمعنى أبسط وبالأرقام، أحصت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" عدد الضحايا الذين قتلوا نتيجة الحملة العسكرية التي تشنها قوات الأسد بدعم روسي على أرياف إدلب وحماة، فقط منذ 26 من نيسان الماضي وحتى أول من أمس الجمعة، ما لا يقل عن 487 مدنيًا، بينهم 118 طفلًا و92 سيدة.

فلماذا لم نسمع عن قبلة الديمقراطية بالعالم، أي تصريح إنساني أو موقف يلجم دموية الأسد وبوتين، وهي -واشنطن- أس وأساس البلاء بسوريا، منذ خط السفير الأمريكي بدمشق، روبرت فورد الأحمر وزيارته مدينة حماة مطلع تموز 2011، ما تلاها من تصريحات هيلاري كلينتون ووعيد الرئيس باراك أوباما، من فقدان الأسد الشرعية وصولاً للتهديد بضربة بعد مجاز كيماوي الغوطة في آب 2013.

الإجابة تكمن وعلى ما أحسب، بعيداً عن زج العاطفة بالسياسة واستخدام النحيب والعويل طرائق باسترداد الحقوق. 

في ما يقال عن تنسيق خفي وتوافق مصالح وربما أكثر، والأهم في ما تملكه إيران من تأثير وقوة، رغم محاولات إضعافها، في حين لا يملك السوريون أي قوة وتأثير وتحقيق مصالح، أو بصيغة أدق باعوا ما كانوا يملكون.

فقوة إيران تدفع إدارة ترامب، للتفكير ورغم أنفها، بالنتائج واتساع دائرة النار وتأذي مصالح واشنطن المباشرة وغير المباشرة، في حين قتل السوريين، لا يؤثر على الولايات المتحدة ومصالحها، بل على العكس، إذ بزيادة القتل والتقسيم وغوص روسيا وسواها بالمستنقع السوري، مزيداً من المصالح الأمريكية وتحقيقاً لخططها الاستراتيجية، بتحويل المنطقة لدويلات ومزارع، بحسب ما وضعت "الستاندرز" بالعراق.

خلاصة القول: نعيش عصر القوة والاستقواء بكل معنى الكلمة، وربما ما تمخض عن الثورة السورية من مقتلة، بدد كل ادعاءات الدول الديمقراطية والمؤسسات الدولية، الحقوقية والإنسانية.

لذا، وليتحول قتلانا إلى تهديد وليس أرقاماً فحسب، لم يزل بالوقت بقية ليلملم السوريون نقاط قوتهم المتبعثرة، والتي تبدأ من سحب وكالة قرارهم من يد من ادعى نصرة الثورة وصداقة السوريين، والانقلاب على أزلام تلك الدول، لتأسيس كيانات يقودها وطنيون يجيدون لعبة السياسة وجعل واشنطن وغيرها، تفكر قبل أن تقدم على أي قرار دموي تدميري.

* من كتاب "زمان الوصل"
(238)    هل أعجبتك المقالة (235)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي