أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

درس مستوطنة ترامب.. عبد الرزاق دياب*

يضع رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتينياهو كل تاريخ النضال والمقاومة العربية على محك الإهانة بعد إعلانه عن تسمية أول مستوطنة إسرائيلية في الجولان باسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وقع له صك ملكيته لأرض لا يملكها.

مستوطنة ترامب التي تحمل اسم رئيس أكبر دولة في العالم شاهدة أبدية على ما حصل في هذه الفترة التاريخية من تاريخ المنطقة التي وقعت تحت حكم البعث وسواه من الأنظمة العربية، وكذلك بقية المستحاثات القومية والدينية التي وجدت أن الصراع فيما بينها أولى من قتال العدو.

ومن باب رد الجميل يفعل نتينياهو ما لم يفعله أحد من الحكام العرب الذين حافظت الأراضي المسلتبة على كراسيهم طوال عقود، وبسببها بقيت هذه العروش الورقية تحكم الملايين وتسلبهم كراماتهم وثرواتهم، والغريب أن دولة كسورية على سبيل المثال أطلقت أسماء بلدات تم تجرفيها في الجولان على القرى الحدودية وبعض القرى الداخلية، والسبب ليس كما يظن البعض في أن تبقى في ذاكرة ساكنيها بل لتكون بديلاً عما صار في طي النسيان.

مستوطنة ترامب هي تذكير أبدي بمن منح دولة الاحتلال في لحظة تاريخية صك الاستيلاء على أغلى قطعة من سوريا الكبرى، متجاوزاً بذلك الوعد إلى التنفيذ الذي لم يجرؤ عليه أحد من سابقيه، وما زالت أوروبا التي منحت إسرائيل صك وجودها تتريث في منحها غطاء للاستيلاء على الجولان.

وخلال ستة عقود مضت على احتلال الجولان فعلياً قامت إسرائيل ببناء عشرات المستوطنات في الهضبة دون أن تثير فعلتها فحولة نظام الأسد وكرامته بل على العكس كانت جبهة الجولان أهدأ من مقبرة، وكانت مفرزة الأمن العسكري في (سعسع) أول خطوط فلترة المتجهين إلى القنيطرة، وحتى أبناء المنطقة من سكان دمشق كان يلزمهم تصريح عبور إلى بلاد اقتلعوا منها بقوة السلاح.

أما أول ردة فعل فاضحة على كذبة الخطوط الملغّمة والحدود المسوّرة هي تلك التظاهرة المفتعلة التي حاولت الدخول إلى الجولان بداية الحراك الشعبي قي سوريا 2011 حيث كانت الصدمة أن لا لغم انفجر في أجساد العابرين، وأن سنوات التضليل كانت فقط لعدم وصول هؤلاء إلى بلادهم بإتفاقات وقعت تحت الطاولة بين أعداء العلن أصدقاء الخفاء.

لم يعد خافياً على أحد بعد سقوط الأقنعة الشقيقة قبل أقنعة الأعداء أن لا عودة لما كانت عليه البلاد وما آلت إليه العباد قريباً، وأن العقلانية في الاحتفاظ على الأقل بما بقي من كعكعة الأرض والكرامة، وهذا يتطلب إدارة المشكلات بروح المصلحة القومية والبراغماتية العالية بعدم صناعة الأعداء.

لذا..كان على أشقياء العرب الذين حكموا هذه الأمة أن يستلهموا روح الوفاء من مجرم تل أبيب في التعامل مع شعوبهم وأوطانهم وتاريخهم، وهو ما كان من الممكن أن يجنب الأمة هذا الكم الكبير من الخسارة والذل، ولكنهم القلة المرتزقة التي صنعها أجداد نتينياهو وترامب ليأخذوا هذا الشرق العريق إلى ما هو عليه من انهيار وسقوط. مستوطنة ترامب ليست فقط تذكار وفاء مغروس في قلب الجولان..هي وصمة عار لا يزيلها سوى الكي باعتباره آخر العلاج.

*من كتاب "زمان الوصل"
(175)    هل أعجبتك المقالة (191)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي