تعرض الوجود السوري في معظم دول العالم إلى حملات كبيرة أدت في أماكن كثيرة إلى تعريضهم للخطر، ولعبت بعض القوى السياسية بورقة اللاجئين في صراعاتها للوصول إلى السلطة، وتم التجييش ضدهم على أنهم من أكبر أسباب الأزمات الاقتصادية تارة، واتهامهم بانتماءات خطيرة تارة أخرى.
في المحيط العربي الذي تدفق إليه السوريون كانت أولى دعوات الطرد، وأكثر حالات التضييق على أرزاقهم وتنقلهم، ووصل الأمر إلى منع دخولهم لكل البلدان العربية، وفرض تأشيرات الدخول، وابتزازهم وسرقتهم في عمليات التهريب التي سهلتها أجهزة أمنية وعصابات مافيوية محتصة بتهريب البشر. تقطعت الأرحام السورية بين دولة وأخرى، وحجزت عائلات على الحدود بينها، وطرد كثيرون من أقصى المغرب العربي دون شفقة ورحمة، وبادرت دول أجنبية إلى تلقف هؤلاء واستقبالهم، وصار السوري عدا عن كونه مصدر تمويل لحكومات فاشلة حجة لتبرير ضعفها وفسادها.
هذا حال الحكومات المرهونة بالسياسة والمصلحة، ولكن كان الرهان السوري على الشعوب العربية التي تنصلت من واجباتها وعاداتها، وشهدت الهجرات السورية الأولى تعاطفاً ما لبث أن تحول إلى كراهية في بلدان مختلفة يأتي في مقدمتها الشقيق الصغير (لبنان) الذي لا يكاد يمر يوم دون حادثة تضييق أو حرق مخيم أو إهانة بحق السوريين اللهم باستثناءات يجب عدم تجاوزها لبعض الشرفاء العارفين بأسباب المأساة الإنسانية الكبرى.
منذ الأمس يشن ما يعرف بالتيار الحر حملة لمنع تشغيل السوريين في ترتيب مدروس للتحريض على السوريين هذا عدا عن المواقف والتصريحات اليومية لقادته بضرورة طرد اللاجئين، وعن الفارق الجيني بين اللبناني والسوري، وهذا مرتب له وفق الهوى الإيراني والأسدي لإعادة هؤلاء إلى حضن الوطن الذي بات آمناً كما يقولون.
في الأردن ارتفعت صيحات كثيرة في فترات متباعدة، ولكن حصر الوجود السوري الكبير في مخيمات اللجوء ساعد فيما يبدو على إيقاف هذه المشاحنات في بلد تتقاذفه المشكلات الاقتصادية، وأما البقية التي تعيش في المدن فهي لا تتلقى أي مساعدات وتعيل نفسها، وحتى من يعيشون في المخيمات بات لهم أوضاعهم الاقتصادية التي يتدبرون بها حياتهم، ولهم أسواقهم التي يشتري منها الأردنيون.
في كل تلك البلدان عمل السوري بكل طاقاته كي لا يمد يده بل أبدع وأنجز وتفوق، لكن بعض المرضى والمتصارعين أرادوا إقحامه في لعبتهم، وفي تركيا ولبنان على سبيل المثال وصل الأمر إلى حد القتل من بعض العنصريين. ولأن الشعوب معادن وخبرات وذاكرة وطبيعة فلا بد من التعريج عما حصل في مصر منذ أيام وما زالت أصداؤه مستمرة، حيث رفع المصريون شعارات المحبة للسوريين في تظاهرة إلكترونية رائعة، ورفضوا من خلاله دعوات قليلة ليس لطرد السوريين إنما البحث في أصول الأموال السورية الكبيرة التي تعمل في مصر منذ سنوات، وتفاعل المصريون، مواطنين وإعلاميين ونوابا، في البرلمان مع مشاعر الحب والإصرار على الوجود السوري الذي اضاف لوناً جديداً جميلاً لحياتهم.
المصريون في تظاهرتهم الإلكترونية عبروا عن عظمة وأصالة هذا الشعب، وعن ذاكرته المتّقدة، وطيبة لا محدودة في التعامل وهذا ما شكره لهم السوريون الذين يحملون غصات الوطن المقتول، وغصاتهم الشخصية. السوريون في مصر يدركون كم هم محظوظون عن باقي إخوتهم الذين يعانون من دعوات الكراهية والعنصرية حتى بين من كانوا يعتقدون أنهم أهلهم وإخوتهم.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية