لا تعب بعد اليوم، ترجل الشجاع الطيب عبد الباسط الساروت، رحل ملتحقا بإخوته وبمئات الآلاف من السوريين الذين جاءت عليهم آلة موت الطاغية تساندها كل أدوات الغدر التي عاثت بسوريا وبثورتها خيانة وتجارة ومتاجرة واستثمارا واسترزاقا وغيرها مما لا تحصيه اللغة، حتى جف ضرعها، أو كاد، من كل شيء، حتى من الجغرافية التي يعتبرونها من ثوابت الحياة يبدو أنها لم تعد كذلك، بل ربما سنكتشف أن كل الموروث الذي نتشدق به منذ اختراع الأبجدية ما هو إلا وهم تفنده حقائق اللحظة.
ترك رحيل الساروت النبيل غصة في قلب كل من يملك حدا أدنى من الإنسانية، ولكن لا يبدو أن كل من يحسبون أنفسهم على الثورة يملكون هذا الحد الأدنى، فأطل من يتقنون فن المتاجرة والعزف على إيقاع "الأجهزة" برؤوسهم في مسعى لتحويل قضية رجل هي في عدالتها أوضح من الشمس في رابعة النهار إلى قضية جدلية قبل أن يوارى الثرى.
الحزن على فقد أحد أهم رموز الثورة بكل مساراتها، وجد انعكاسه على صفحات التواصل الاجتماعي بطريقة غير مسبوقة، لكنها على أهميتها، لا تعدو كونها كلمات تدبج في عالم افتراضي لا تأثير حقيقيا لها على واقع حال قضية لم تعد ضمن أولويات أصحاب القرار الدولي.
وربما لا أجافي الصواب إن قلت إنها لم تعد على سلم أولويات السوري نفسه، الذي تقدم لديه الخاص على العام، وهو ما لم يحدث لعبد الباسط الذي صهر الخاص بالعام، فكان الساروت، وهنا لست بوارد، ولا أملك حق إطلاق الأحكام فلكل منهم "شأن يغنيه"، لكن لا أتجاوز على أحد إن تساءلت وربما للمرة العاشرة، ألم يحن الوقت لأن ينتج السوريون مشروعهم الجامع، في شقه النظري على الأقل؟ مشروع يحافظ على "فكرة سوريا"، مشروع يجمع شتات المعارضة في لحظة "كرامة" يتنازل خلالها السوري للسوري، فهي أعز له من تنازله وتبعيته لغريب، أيا كان هذا الغريب، في تلك اللحظة فقط، يصبح الحزن على الساروت وغيره المئات حزنا حقيقيا، لا شوائب للتباكي والنفاق والاستعراض الرخيص فيه، عندها فقط يمكن أن يصدق السوريون مع "أم الساروت" كما صدقت في صبرها وصدق ابنها في رسالته..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية