أنانية "فلسطينية"... ماهر شرف الدين
التصريح الذي أدلى به مؤخراً خليل الحيَّة، المسؤول في "حماس"، عن أنَّ الفلسطينيين لم يشعروا بالأمان إلا تحت حكم نظام الأسد، والذي يأتي ضمن سلسلة تصريحات متتابعة من مسؤولين حمساويين يغازلون النظام في سياق العودة إلى حضنه، يكشف عن أنانية "فلسطينية" من نوع خاصّ.
فهؤلاء على الرغم من معرفتهم تمام المعرفة –بحكم تصريحاتهم ومواقفهم السابقة- بأنَّ مظلومية الشعب السوري لا تقلّ شأناً عن مظلوميتهم، إن لم تكن تفوقها بدرجة الوحشية التي عُوملَ بها أشقاؤهم، فإنهم مع ذلك لا يمانعون بتجاهل ذلك كلّه في سبيل ما يفترضون أنها مصلحتهم.
والملاحظ عموماً أنَّ القضية الفلسطينية ولَّدت ما يشبه "الأنانية" لدى بعض الأخوة الفلسطينيين، بمعنى أنهم يعتقدون بأن قضيتهم يجب أن تكون بالنسبة إلينا أهمّ من قضيتنا، وأن بلدهم يجب أن يكون أَوْلى لدينا من بلدنا.
فقضية السوري لا يجب أن تكون سوريا، بل فلسطين. وحرية الفلسطيني يجب أن تكون –بالنسبة إلى السوري- أهمّ من حريته هو نفسه. حتى عذابات الفلسطيني يجب أن تكون بالنسبة إلى السوري أكثر ألماً من عذاباته هو!
لا يجب على ابن داريا الذي خسر مدينته وأرضه أن يحزن لذلك، بل عليه أن يحزن على خسارة حيفا ونابلس. ولا يجب على ابن دمشق الذي تتعرَّض أحياؤه للغزو الفارسي أن يقلق بهذا الخصوص، بل عليه أن يُوفّر قلقه لتهويد القدس فحسب، لأنَّ تغيير ديموعرافيا سوريا لا شيء أمام تغيير ديموغرافيا فلسطين.
الروائي والقاصّ الفلسطيني المعروف رشاد أبو شاور هاجم الثورة السورية عندما كانت لـمَّا تزل في مرحلة المظاهرات السلمية، ولم يخجل من تبرير ذلك بالقول إنها ستشوّش على القضية الفلسطينية.
وخلال لقاء تلفزيوني مخصَّص لمناقشة القضية السورية، راح الإعلامي الفلسطيني الشهير عبد الباري عطوان يقول بغضب: وماذا عن فلسطين؟ هل نسيتم فلسطين؟ ألا تفكّرون بفلسطين؟! وكأنه، هو وغيره من الفلسطينيين، يتبرَّمون من وجود قضية عربية أخرى "تنافس" قضيتهم، لذلك هم يلومون الشعب السوري على "اختراع" قضية خاصة به، بدلاً من قضية فلسطين.
هذا المنطق الذي يُفكّر به هؤلاء، إضافة إلى أنه موصوم بالانتهازية، فإنه أيضاً محكوم بالتهافت. ليس لأن الفصل بين القضيتين على هذا النحو سيضرّ بهما معاً فحسب، بل لأنَّ تحالفاً حقيقياً بين قضيةٍ عادلةٍ ونظامٍ ظالمٍ هو أمر غير ممكن.
الشعب السوري هو أكثر الشعوب العربية التزاماً بالقضية الفلسطينية على الإطلاق. وهذه الانتهازية التي يتعامل بها قطاعٌ غير قليل من النخبة الفلسطينية تجاه المأساة السورية لن تكون بلا أثرٍ على علاقة الشعب السوري بهذه القضية القومية الكبرى التي توافق، لعقودٍ من الزمن، على محضها صفة "المركزية". نقول ذلك من دون أن نهمل وجود شريحة عزيزة من الشعب الفلسطيني، ومثقفيه، ناصرت وتناصر ثورة السوريين، وقد تمَّت مبادلتها بكلّ مشاعر الامتنان.
* معارض سوري - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية