أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السوريون وألمانيا.. إنسانية تسيرها المصالح

أرشيف

جاء العام 2015 واتبعت فيه حكومة "أنجيلا ميركل" سياسة الحدود المفتوحة مع السوريين لتستقبل معها حوالي مليون لاجئ في أكبر موجة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية، مانحة إياهم ما يعرف بـ"اللجوء الإنساني" نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها سوريا، فيما وصف وقتها بأجمل صور الإنسانية وأبهاها.


ولكن منطقياً، هل يكفي الشعور والواجب الإنساني والأخلاقي، لتستقبل ألمانيا كل هذه الأعداد من اللاجئين وتتحمل تكاليف استضافتهم التي بلغت 20 مليار دولار خلال العام 2016 فقط؟، أم أن وراء الكواليس ما يفسر بشكل أوضح طبيعة العلاقة التي تربط ألمانيا باللاجئين، والأسباب الكامنة وراء هذه الخطوة؟.


*إحصائيات
قبل الخوض في تحليل أسباب اتباع ألمانيا لسياسة الحدود المفتوحة أمام السوريين، لا بد من تسليط الضوء على مجموعة من الإحصائيات والدراسات المتعلقة بالداخل الألماني، والتي كشفت عن تراجع عدد السكان خلال السنوات العشرين القادمة لاسيما من هم في سن العمل، لينخفض عدد اليد العاملة من 49 مليون عامل في العام 2015 إلى أقل من 43 مليون عامل في العام 2035 وفق الدراسة التي أجراها مكتب الإحصاء الألماني، ناهيك عن حاجة سوق العمل التي تزيد عن 260 ألف عامل سنويا من أصحاب الحرف لسد العجز، وذلك بحسب دراسة نشرتها مؤسسة "بيرتلمسان" الألمانية.


في السياق ذاته، فإن ألمانيا خلال السنوات الماضية كانت خارج المؤشر الأوروبي للخصوبة نتيجة الانخفاض الكبير في معدل الولادات، والذي شهد نمواً غير مسبوق خلال العام 2015 بعد استقبال موجة اللاجئين بمعدل 793 ألف ولادة يعود العدد الأكبر منها للأمهات السوريات، ما ساعد على دخول ألمانيا للمرة الأولى منذ العام 1970 سلم الخصوبة الأوروبي.


أمام هذا الواقع، تبرز أولى ملامح المصلحة الألمانية باستقبال أعداد اللاجئين والتي ترتبط بالاقتصاد، ففي الحالة الألمانية، تعد الصناعة التي تعتمد على اليد العاملة الماهرة شريان الدولة الاقتصادي، خاصة في ظل فقدان البلاد الموارد والخيارات البديلة سواء في مجالات التجارة والمواد الخام ومصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز وحتى الممرات البحرية، ليبقى الاسثتمار في اليد البشرية رهان الاقتصاد الأول والأخير، ما استوجب حتماً البحث عن حلول تساعد على تجاوز أزمة نقص العمالة.


باختصار، يمكن تشبيه الموقف بانكماش قنديل البحر لحظة تعرضة لأشعة الشمس، والذي يبدأ بالانكماش التدريجي وصولا إلى حد التلاشي ما لم يعد مجدداً إلى المياه، ومياه ألمانيا هنا تتجسد بالمهاجرين واللاجئين، خاصة وأن أزمة ألمانيا الديمغرافية تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي دفعتها مطلع الستينيات من القرن الماضي للاعتماد على العمالة الوافدة.


*السوريون دون غيرهم..لماذا؟
عملياً، المشكلة التي تحاول ألمانيا حلها لا ترتبط فقط بالاقتصاد، وإنما بمحاولة التأسيس لجيل جديد من الألمان يساعد على سد الثغرة في النمو السكاني الناجمة عن عدة عوامل على رأسها النقص الحاد في الإنجاب بين الألمان، ما فرض على حكومة ميركل البحث عن ضالتها وفق معايير تراعي أخطاء الحكومات السابقة في التعامل مع ملفات اللاجئين والمهاجرين.


بالنظر إلى التاريخ، فإن علاقة الحكومات الألمانية المتعاقبة مع المهاجرين الوافدين لها من شرق أوروبا والجوار الآسيوي والسوفياتي أواسط القرن الماضي كانت قاسية جداً، من ناحية فشل إدماج هذه المجموعات في المجتمع الألماني، وتحويلها إلى واحدة من مكونات الشعب، خاصة وأن الكثير منهم إلى اليوم لم يحصل على الجنسية الألمانية رغم مرور عشرات السنين على وجوده على أراضيها، ناهيك عن نظرة غالبيتهم لألمانيا كمجرد مكان لجني الأموال لا أكثر.


المسألة في الحالة السورية مختلفة تماماً، خاصةً في ظل عدم وجود أي أفقٍ قريب لحل الأزمة السورية، وعدم قدرة معظم اللاجئين العودة إلى بلادهم في ظل بقاء النظام الحالي وقبضته الأمنية، ما يعني نشوء أجيال جديدة من اللاجئين في ظل القيم والفكر الألماني وتشربهم للخبرة الألمانية في مجالات الاقتصاد والعمل، ما جعل منهم تربة خصبة لزرع بذور جيل يرى في ألمانيا وطن أكثر من كونها مجرد مرحلة عابرة في حياته، ليكتمل بذلك شكل المعادلة بين الطرفين، فالسوري يبحث عن المأوى فرصة الانطلاق الجديدة في الحياة، بينما تبحث ألمانيا عن شعب أو نواة شعب جديد قادرٍ على المضي في مسيرة نهضتها الصناعية.


باختصار، لا يمكن لأحد أن ينكر أن ألمانيا فعلاً مدت يد العون بالنسبة للسوريين المشردين في الأرض بعد أن أغلقت أبواب وحدود العالم في وجوههم، بل وساهمت أيضاً في منح من وصلها منهم فرصة الحياة الجديدة، ولكن ما لا يمكن نكرانه أيضاً أن المصالح بين الطرفين كانت متبادلة، وأن الأمر لا يتوقف عند حد الإنسانية المفرطة، وإنما يمكن وصفه بشكل أو بآخر بإنسانية المصالح.

حسام يوسف - زمان الوصل
(171)    هل أعجبتك المقالة (180)

محمود الدين

2019-06-02

يجب على كل البشرية ان تتداخل في بعضه البعض كلنا بشر.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي