أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الموت للناجحين.. مزن مرشد*

الراحل "تيزيني"

الإساءة... الضغينة... الطعن الشخصي ... تكاد تصبح سمة عامة فينا كسوريين، حتى بتنا نخشى أن نكون ناجحين أو حتى محبوبين لدى الآخرين تفادياً لحربٍ قد يشنها علينا أحدهم.


فلا أدري كيف بتنا شعباً لا نستحسن بعضنا.


ما الذي يدفع مفكراً مثل برقاوي أن يقول ما قاله بحق معلمه وزميل مهنته لحظة وفاته وقبل أن يبرد دمه أو يوارى جثمانه الثرى؟


تصل بنا الحالة إلى آخرها بتشويه الآخر، وتحقيره، وعدم احترام أي من إنتاجه أو تصرفاته... يبررها البعض بأنها عداوة النجاح ... وأبررها أنا بأنها طبع في البشر لا يعمم ولا يقاس عليه، لكنه بات ظاهرة اليوم فينا، ويرتبط مباشرة بالمجتمعات المتخلفة، إذ تفقد مجتمعاتنا معايير النجاح ويختلط الحابل بالنابل، وتصبح الموهبة والإخلاص في العمل ميزتين مرفوضتين تجعل ممن يمتلكهما عرضة لشتى أنواع التسفيه والمحاربة، فتبدأ حكاية هذه الحرب بالحسد كنوع من العدوانية الكامنة عند الحاسد، وعندما تتراكم، تصرف نحو الخارج بإسقاطها عليه شخصياً ومهنياً.


ففي مجتمعنا المتخلف تبرز الأنا على أنها المركز الذي يدور حوله الكون، ويبرز التقوقع حول الذات، أو الجماعة الصغيرة (الشلة، أو الأسرة) في مقابل فك الارتباط العاطفي مع الآخر، فتنهار روابط الألفة أو المحبة، أو التعاطف والاحترام، هذا على المستوى الفردي. وتنهار روابط المواطنة أو التشارك في المصير، وتتضخم الأنا، فيصبح الفرد عاجزاً عن النظر إلى مسألة ما، إلا من خلال وجهة النظرة الذاتية، والوجه الآخر لها هي عدم أخذ الآخرين بالاعتبار. فتتمركز وتتقوقع على الذات وتصبح التعاملات المصلحية موجهة نحو الداخل بعد أن كانت موزعة بينها وبين بقية الجماعات، ويرافق فك الارتباط العاطفي مع الآخر سحب كل التوظيف العاطفي منهم وإرجاعه الى الذات فتتضخم أهميتها على حساب الخارج، الذي تتبخر قيمته فيطغى البرود العاطفي لدرجة قد تصل أحياناً إلى انعدام الحساسية كلياً تجاه ( الناجح).


الأمر الذي يجعل مختلق الحرب –عدو النجاح- يُقدم على أفعال تصل الى درجة إنهاء حياة الناجح، إن لم يكن فيزيائياً، فمعنوياً من خلال التشهير به، واختلاق الشائعات والأقاويل التي تنال من سمعته.‏


وللأسف الشديد هذا ما رأيناه في محيطنا السوري من إساءات سواء لشخصيات سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو عليمة، وما يزال مثال الفيلسوف برقاوي في محاولة لتشويه التيزيني بعد موته طازجاً لم ننسه بعد.


قد لا نكون مسؤولين عن هذه الطبائع فينا، فكلنا تربينا في مؤسسات البعث من المدارس إلى الجامعات، إلى العمل، لنكون ضمن منظومة بيئية معادية للتميز... زملاء عمل، تشعر بأنهم يتربصون بك ... مدراء يخشونك، خوفاً أن تلقى استحسان من هم أعلى منك فتأخذ مكانهم، ما يجعل الحرب ضدك قائمة سواء حاولت النجاح أم لم تحاول.


فتصبح مقولة أن السوريين يبدعون بالخارج واقعاً ملموساً، بينما يطردون ويحاربون في بلادهم، ويسقفون في العمل والمهنة والمجتمع.


بالأمس، حصدت المهندسة السورية لين صائب جائزة أفضل نساء أوروبا في الهندسة والإنشاءات عن فئة التنمية الاقتصادية، وتنال السورية رانيا كعدان لقب أفضل شابة في البناء...


ماذا لو بقيتا لين ورانيا في سوريا؟ هل كانت لين ستشغل المكان الذي يقدر موهبتها وتميزها؟ أم ستتعرض كالعادة لمقولة مبتدئة أمام المهندسين الكبار – سناً وليس موهبةً.


هل كان من الممكن أن يترك لها المجال لتقدم كل ما يجول بخاطرها من أفكار، هذه الأفكار ذاتها التي استحقت عليها اللقب كان من الممكن أن تكون المقتل لها في بلدها الأم سوريا، فتحارب لذات السبب الذي نجحت من أجله في بلاد الاغتراب.

*من كتاب "زمان الوصل"
(208)    هل أعجبتك المقالة (211)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي