مؤخراً بدت مصداقية الـ بي بي سي المتعلقة بتقارير إخبارية يبثها مراسلها «جيرمي بوين» من الشرق الأوسط جديرة بالازدراء ومثيرة للسخط لشدة شناعتها ووقائعها المغلوطة وتضليلها اللاأخلاقي،
هكذا افتتح «روبيرت فيسك» الصحفي والكاتب السياسي البريطاني تعليقه الاسبوعي في صحيفة الاندبندنت ليتابع هجومه على الإذاعة البريطانية قائلاً: كيف لي أن أحب كلمة المصداقية التي تحمل اليوم العار والخزي للـ «بي بي سي» بعد أن أخفقت تلك الكلمة في التصدي للوبي الصهيوني الذي يناهض الوقائع على الأرض من خلال إعلانه أن «بوين» تملص من قول الحقيقة (بالنسبة لما يجري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة) لنمضي خطوة خطوة في تلك التجارة الحقيرة؟
«يضيف فيسك» نحن نعلم أن الصهيونية أقدمت بغطرستها على تجاوز الحدود، فالجدار الإسرائيلي الجديد ويتجاوز طوله وارتفاعه جدار برلين رغم أن إدارة الـ بي بي سي لاتزال تصر في تقارير مراسليها على تسميته بالحدود الآمنة ويلتهم نسبة 10٪ من الـ 22٪ من الأراضي الفلسطينية والتي يفترض أن تدور مباحثات محمود عباس أسوة برئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات حول مستقبلها.
وقد أشار «جيرمي بوين» في كتابه الذي تناول حرب 1967 وعنوانه «الأيام الستة» بوضوح إلى تلك الأراضي التي تغتصب اليوم.
ويعاود فيسك الكرة ليقول: كيف لي أن أحب كلمة الثقة التي توصف بها الـ بي بي سي حيث تم تشويه سمعة كل شيء محيط بهيئة الإذاعة البريطانية؟ لقد انهارت مصداقية تلك الهيئة بطريقة مخزية أمام اللوبيات الإسرائيلية التي تعتمد تزوير الحقائق «جيرمي بوين» من هؤلاء الذين يرفضون قول الحقيقة.
فقد قامت الصهيونية بالفعل بطمس معالم حدودها بغية توسيع رقعتها وما من أحد قرأ تاريخ الصهيونية إلا وأدرك أن هدفها يتلخص بطرد العرب من أرضهم ومن ثم الاستيلاء على فلسطين وإلا لماذا يستمر الصهاينة بسلخ أجزاء من الأراضي العربية وتجييرها لليهود الذين ظلوا باستمرار مناوئين ومعارضين للقانون الدولي؟ فمن يستطيع ولو لبرهة معارضة ذلك والتصدي للقانون الدولي باستثناء هؤلاء الصهاينة الذين يروجون للشرائع الإسرائيلية؟ (علماً أن المساعي الإسرائيلية لن تتوقف عن إملاء شرائعها على القوانين الدولية) حتى عندما أعلنت المحكمة الدولية العليا في لاهاي أن الجدار الذي تشيده إسرائيل فوق الأراضي الفلسطينية غير شرعي استمرت الـ بي بي سي في إطلاق تسمية «سياج» على هذا الجدار ويتبجح الإسرائيليون ببساطة أن المحكمة العليا ارتكبت خطأ خلال وصفها للجدار المذكور، كذلك الأمر بالنسبة للقرارين الصادرين عن مجلس الأمن تحت رقم 242 و، 338 وينص كل منهما على ضرورة سحب الإسرائيليين لقواتهم من المناطق التي احتلتها بعيد حرب عام 1967 وكان جواب الجانب الإسرائيلي رفض الانسحاب هذا.
وكانت واشنطن وعلى امتداد ثلاثين عاماً ترى أن الأعمال التي يقوم بها الإسرائيليون داخل فلسطين غير شرعية لكن ما إن تسلم جورج بوش زمام السلطة في الولايات المتحدة حتى أقر أن للإسرائيليين مطلق الحق في الاحتفاظ بالمناطق والأراضي التي احتلوها بشكل غير قانوني.
لقد أصبح إطلاق كلمة ثقة على الـ بي بي سي مماثلاً لتعريف جورج بوش الابن للحدود الإسرائيلية الجديدة وتقع بالطبع داخل الأراضي العربية، أما اللجنة التابعة للـ بي بي سي فقد وجدت أن رسالة «جيرمي بوين» الإخبارية تخترق القوانين لأن من يقرؤوها يستخلص أن ترجمة هذه الرسالة هي الرؤية الواقعية الفريدة للحرب.
ويعلق «فيسك» على ذلك بقوله: بالطبع سيفهم القارىء ذلك لأن الـ بي بي سي تعتقد أن إسرائيل تطالب بسلخ أراض جديدة هي في الواقع من أملاك أناس آخرين (العرب) وهذه نظرة أخرى واقعية وملموسة للحرب، ويضيف «فيسك»: لم يعط «جيرمي بوين» دليلاً لإثبات أن المستوطنة اليهودية «حار حوما» غير شرعية في الوقت الذي عمدت فيه هيئة الإذاعة البريطانية إلى استخدام الاسم العبري لمستوطنة «حار حوما» متجاهلة التسمية العربية الأصلية وهي «جبل أبو غنيم».
واستطرد «فيسك»: اشعر باستغراب عندما تفرد صحيفة هآرتس مساحة واسعة لما تبثه الــ بي بي سي هذا بينما يطرح سؤال لماذا يكتب مراسلو هآرتس «اميرا هاس» وزميله «غودون ليفي» بشجاعة عن انتهاك حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في حين لم تجرؤ هيئة الإذاعة البريطانية على فعل ذلك مطلقاً.
ويذكرنا هذا العمل بالمقولة المعروفة: في حال سمحت لنفسك بالانحناء أمام الذين يتمنون أن تنحرف عن الحقيقة فإنك ستمضي بقية عمرك وأنت في هذه الوضعية.
وهيئة الإذاعة البريطانية هي المؤسسة المذكورة التي رفضت بث الالتماسات والنداءات الرامية لاستجداء أدوية صالحة لمعالجة الجرحى الفلسطينيين، مبررة موقفها هذا أنه سيؤدي إلى تقويض حيادها، يبدو أن الأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا أرجلهم وأقدامهم ليسوا على قدر من الأهمية والمستوى الإنساني الذي يتمتع به مديرو الـ بي بي سي التنفيذون.
وها هنا يقول «فيسك» أتقدم بتوصية وتهنئة لقناة الجزيرة الشجاعة التي عملت على تغطية حرب غزة والحروب الإسرائيلية الفلسطينية المستمرة.
وينهى فيسك مقاله بالقول: لن استغرب عندما يصف مديرو هيئة الإذاعة البريطانية مقالي هذا أنه كتابة مبالغ فيها وأعتقد أن «جيرمي بوين» مراسل الهيئة للشرق الأوسط سيوافقهم بالرأي المذكور.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية