أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"نا" البرقاوي في رثاء تيزيني*

المفكر السوري طيب تيزيني - أرشيف

غيّب الموت بالأمس، المفكر السوري طيب تيزيني "1934-2019" بعد مرض ومعاناة، ليدفن شهيداً بمدينته حمص. (شهيد بالقياس، فمن مات دون قضية سامية وهدف نبيل، فهو برأيي أيضاً شهيد، ومثله مي سكاف وصادق جلال العظم وعامر السبيعي ووحيد صقر ..وكثيرون).


وأجمع السوريون وقلما يجمعون، على هول الفجيعة بتهاوي "باب حمص الثامن".


على الأقل، قبل أن يرى ثمرة دعواته التنويرية بمجتمع يأكله التخلف وطروحاته الوطنية، لبلد تعددي مدني، تغيب عنه الديكتاتورية والأمنية المهيمنة والأبدية الأسدية.

وتناغم السوريون بالتعبير عن حزنهم لفقدان الفيلسوف تيزيني، إلا قلة من "النشاز"، ربما كان طرح المفكر أحمد برقاوي، أفقعها.


لست قاضياً ولن أكون، كما لن أسمح لنفسي فتحها "كشكاً" توزع عبره الشهادات وتطلق الأحكام، بيد أن المفاجأة بطرح البرقاوي، كانت موجعة، فكتب بعد سماعه نبأ موت "تيزيني" قائلا "العزاء لأهل طيب تيزيني ومحبيه:

عرفت الدكتور محمد طيب تيزيني طالباً عام 1970-1974، وعرفته زميلاً منذ 1980، عرفته في الغربة بجامعة عدن 1990-1993،عرفته معرفة عميقة، عرفته في حياته اليومية وفي حياته العامة، عرفت صفاته وأخلاقه وسلوكه، عرفت خطابه الشفهي وخطابه المكتوب ومخزونه المعرفي. أهداني كل ما نشر وقرأت جل ما كتب.

لم أعجب بأية صفة من صفاته، ولَم أرض عن أي سلوك من سلوكاته، ولَم أستحسن أياً من مؤلفاته.
رحل في الخامسة والثمانين من عمره .
العزاء لأهله ومحبيه." انتهى الاقتباس.


سأقف هنا عند أمرين، متجاهلاً "في الخامسة والثمانين" وما يمكن أن تحمله من تأويلات، أولها "أكل عمره" تاركاً ما عداهما للبرقاوي، من قبيل حرية الرأي والحقوق الشخصية.


الأول هو التوقيت، لنفرض أن ثمة خلاف شخصي أو مذهبي فلسفي، بين المفكريّن، فهل بعد ساعة من موت الرجل، هو الوقت المناسب لنكء الجراح، أم ثمة أدلة من خروج هذا "الحقد" يمكن البناء عليها، والتي على الأرجح تتعدى "عداء الكار".


وأما الأمر الثاني والأكثر سقوطاً، هو "أي وأياً" فالفيلسوف برقاوي، لم يعجبه "أي" صفة من صفات تيزيني، ولم يرض عن "أي" سلوك من سلوكياته، بل ولم يستحسن "أياً" من مؤلفاته.


كيف يمكن قراءة هذا الإطلاق الصادر عن فيلسوف، من المفترض ألّا يقع بفخ التعميم، هذا إن لم نأت على "الإنسانوية" أيها الفيلسوف المحترم.


وربما ما يدلل إضافة، على أن ثمة ما وراء الأكمة، ما تابعه البرقاوي أمس، بعد أن لاقى بعد "الانتقادات" حول نبش القبور، والكتابة سوءاً عن الأموات، فأوغل ليعطي إشارة إضافية، على تضخم الأنا، أيضاً من المفترض ألّا يقع بها، من هم مثله.


"تنويه: من أراد أن يطلع على نقدنا لطيب تيزيني وصادق العظم والجابري وحسن صعب وغيرهم، وهم على قيد الحياة فليراجع كتابنا أسرى الوهم 1996، وكتابنا العرب وعودة الفلسفة 200، وكتابنا في الفكر العربي الحديث والمعاصر2014. لأن بعض الجهلة يتهمنا بنقد الأموات". انتهى الاقتباس.


لن أتوقف عند وصف البرقاوي من انتقده أو عاب عليه بـ"الجهلة" فهو حرّ فيما يرى ويصنّف، بيد أني سأشير سريعاً إلى "نا" خلال "كتابنا العرب وعودة الفلسفة، و"نا" خلال "كتابنا في الفكر العربي الحديث والمعاصر.


والتي، يمكن لـ"الجهلة" مثلي أن يستشفوا حجم التواضع الذي يتحلى به الفيلسوف العظيم، من خلال "الأنا المتهورة والمندفعة وغير المبالية بالعواقب التي سيخلفها الغلو في الثقة بالنفس والانحراف عن العقلانية والواقعية في السلوك والمبادرة والإنجاز".


بمجمل الأحوال، يمكن النظر -مجازاً- لما كتبه البرقاوي، على أنه حرية ورأي شخصي، رغم حجم الإساءة التي تسببت لكل "الجهلة" الذين رأوا بنتاج تيزيني، ومواقفه أولاً، تعبيراً عن حالهم ومعاناتهم بزمن الديكتاتورية الموحش.


فالراحل وكما يعرف جلّ السوريين، انتزع احترام من عرفه عنوة، لأنه متواضع وابن بلد، رغم اختياره من مؤسسة "كونكورديا" الفلسفية الألمانية - الفرنسية واحداً من مئة فيلسوف في العالم للقرن العشرين عام 1998، ونتاجه الفكري الذي ناف ثلاثين كتاباً وعشرات الأبحاث والدراسات، منها "الهرمونوطيقا ومناهج التفسير" والتي لم يأت خلاله، على تفسير بواعث وأسباب أداء زميله البرقاوي بساعة وفاته.


نهاية القول: ربما من محطات الراحل المضيئة، فضلاً عن مسيرته العلمية والفلسفية، والتي مجتمعة، كست سوريا والسوريين بلون الحزن أمس.
لقائه الأول مع حافظ الأسد، وقت ألمح الرئيس لإهدائه سيارة، فقال تيزيني "لدي سيارة كبيرة لونها أخضر وتتسع لأربعين راكباً".


أو وقفته يوم الثلاثاء 15/03/2011 بساحة "المرجة" بدمشق، ضمن اعتصام معتقلي الرأي والمطالبة بإطلاق سراحهم، والتي انتهت، بسحله على الأرض واعتقاله لساعات.


وربما باللقاء التشاوري بفندق "صحارى" بتاريخ 10/7/2011، المحطة الأبرز، وقت رد على طرح نائب الرئيس فاروق الشرع، تماماً بما يجول بخلد السوريين ويختصر مطالبهم، غيرعابئ بالنتائج وعقابيل قول كلمة الحق بوجه سلطان جائر "المتظاهرون السلميون أولاد البلد، الرصاص حرام، إخراج المساجين، تفكيك الدولة الأمنية المهيمنة، سوريا بلد الملفات تحت الطلب، حرية الإعلام والتأسيس لدولة القانون..ووضع برنامج عمل".
أبعد كل هذا يا دكتور برقاوي، لم تر أيا ولم يعجبك أي...؟!!

*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
(275)    هل أعجبتك المقالة (281)

ريم اسماعيل

2019-05-19

ما فتئ البرقاوي يثبت أنه حاقد بامتياز , بت أشك في أن العلم يهذب الشخص ويسمو به فوق الحسد والمشاعر الشخصية.


محمد الأمين

2019-05-20

لااعرف كيف لأمة أن تنتصر أو تتغير إلى الأفضل والعاطفة الساذجة تحكمها من يعرف ومن لايعرف الطيب تيزيني ومن قرأ له ومن لم يقرأ ومن اطلع على فكره ومن لم يطلع وممن يدعي المعارضة كلٌ أدلى بدلوه في رثائه معتبراً ذلك خسارة لاتعوض للفكر والثقافة والرجل ظل مخلصاً لبعثيته الفاشلة وقومجيته الخرقاء وماركسيته الجدلية الحمفاء طوال حياته وفي كل حوار كان يجريه يهزم شر هزيمة ولم أرى مثقفاً أو مهتماً بالثقافة اقتنى كتاباً له عجيب أمر مثفقي هذه الأمة ومفكريها.


طلال محمد

2019-05-20

رحمك الله ياطيب وأدخلك فسيح جناته حمص ياحمص لله درك ياحمص أنجبت بطون نسائك عظماء *.


عابر سبيل

2019-05-21

نختلف أو نتفق...احترام الآخر هو ثقافة..احترام لإختلاف هو تربية..احترام التنوع هو حضارة..الشعور بالعظمة و التعالي على الآخرين هو مرض..رفض التنوع و الاختلاف هو عاهة ..الرحمة و الراحة لروحك يامن حاربت بالكلمة و الفكرة و حلمت بوطن أكثر انسانية و رحمة و رفضت التسلط و التفرد و البشاعة و التغول و الهمجية..مع كل قامةسورية تسقط يزداد حزننا لأنها تطفيء شمعة أمل بوطن جديد دّمره الهمج و البربريون و الذعران...


التعليقات (4)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي