أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مستشفيات الجحيم.. ماهر شرف الدين*

لمرَّة واحدة سيكون منظر ثوبٍ عادي ونظيفٍ أكثر قسوةً من منظر ثوبٍ ملطَّخٍ بالدماء

"لا يجوز بأيّ حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظَّمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات".
المادَّة 18، اتفاقية جنيف الرابعة، سنة 1949

المستشفيات والنقاط الطبّية التي قامت "الأمم المتحدة" بتزويد روسيا ونظام الأسد بمواقعها، لكي يتمّ تحييدها عن القصف، تمَّ قصفها وتدميرها.


مستشفى كفرنبل تحوَّل إلى كتلة من الجحيم، في صورةٍ لا يُصدّق المرء أنَّ إنساناً متحضّراً في القرن الحادي والعشرين يمكن أن يقبل بها.
مستشفيات أُخرى تمَّ تدميرها، بعدما هرب مرضاها ومصابوها، بثيابهم الزرقاء، حفاةً ومذعورين.


لا مراعاة لاتفاقيات دولية، أو توافقات إنسانية، أو حتى أعراف اجتماعية ودينية اشتهر بها المجتمع السوري.


***


ليس في الصورة أعلاه لون دم، لكنْ ثمَّة ما هو أفظع: مريض، بثياب المستشفى، يهيم على وجهه في الشوارع هرباً من القصف.


مشهدٌ ربَّما كان أكثر فظاعة من مشهد قصف المستشفى ذاته الذي هرب منه هذا المريض.


لمرَّة واحدة سيكون اللون الأزرق وحشياً إلى هذه الدرجة. لمرَّة واحدة سيكون منظر ثوبٍ عادي ونظيفٍ أكثر قسوةً من منظر ثوبٍ ملطَّخٍ بالدماء.


ولكنْ، كيف يمكن لثوب المستشفى، الذي يُعطي إحساساً بالأمان والطمأنينة، أن يبعث في أنفسنا بكلّ مشاعر الاضطراب تلك، بمجرَّد نزوله إلى الطريق؟!


وكيف يمكن لكمَّامة المريض، التي وضعها لتنقية الهواء الداخل إلى رئتيه، أن تتحوَّل إلى كمَّامةٍ تخنق كلّ من يراها، بمجرَّد وجودها في مكانٍ ليس مكانها؟!


إنَّ الفظاعة التي يمكن للعادي أن يُفرزها، حين يُوضَع في مكانٍ ليس مكانه، لا يقدر أشدُّ المشاهد عنفاً على إفرازها.


وقد بدَّلت آلةُ الحرب في سوريا، إلى درجة العبث، الكثيرَ من أمكنة الأشياء العادية إلى درجة أن بعضها اتَّخذ شكلاً وحشياً.


وبذلك لم يُطاول العبثُ الأشياءَ وحدها، بل طاول المعانيَ أيضاً.

*من كتاب "زمان الوصل"
(218)    هل أعجبتك المقالة (225)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي