ما من شكٍّ بأنه مقابل كل حقٍّ ينشأ لشخصٍ ما، يترتب على هذا الشخص بنفس الوقت التزام وواجب باستخدام حقه دون تعسّف، أو تعدٍّ على حقوق الآخرين.
وفي الواقع لا يخرج وضع اللاجئ عن قاعدة (تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين).
فكما أنّ له حقوقاً حفظتها المعاهدات الدولية التي رسّخت له حق الحماية والكرامة الإنسانية، ومنعت على البلد المستضيف إجباره على العودة إلى بلده الذي اضطهده، وأجبره على الفرار نجاة بحياته وحياة أولاده كذلك بالمقابل تترتب عليه التزامات تجاه هذا البلد الذي احتضنه، ينبغي القيام بها كي يظل محافظاً على موقعه القانوني كلاجئٍ يتمتع بكامل حقوقه.
وفي الواقع فإن هذه الالتزامات المترتبة على عاتق اللاجئ، تُعتبر التزامات بسيطة لا تتطلّب منه القيام بأي عمل أو تقديم استحقاق أو دفع مبلغ، إنما تفرض عليه الامتناع عن عمل أو نشاط.
وتقسم هذه الالتزامات إلى نوعين:
أولاً -الالتزامات المتعلقة بالمحافظة على النظام العام والأمن القومي للبلد المستضيف، حيث إنه من أولى دواعي احترام اللاجئ لبلد الملجأ الذي استقبله وآمنه من خوف أن يحترم قواعد النظام العام والآداب العامة والقوانين الخاصة بهذا البلد، فلا يقوم بمخالفتها وخرقها، وبالتالي الامتناع عن أي فعل يضرّ بالأمن العام وسلامة مواطنيها، فإذا قام يمثل هذا الخرق فقد حقوق اللاجئ وضمانات الحماية. وربما يصل إلى طرده، ولكن، هل كل مخالفة لقوانين البلد المستضيف تعتبر سبباً للطرد؟
الحقيقة أن ذلك يعود لشدة المخالفة، فعلى سبيل المثال لو ارتكب اللاجئ مخالفة سير بسيطة لم تؤد إلى الإضرا ر بأحدٍ فإنها لن تؤثر على النظام العام مثلما يؤثر إقدامه على إشعال حريق هائل في حديقة وطنية كبيرة، وبالتالي فإن المعيار هو مدى جسامة الفعل وأثره على السلامة والأمن العامّين وينفرد البلد المستضيف بتقدير هذا الجسامة.
ثانياً - الالتزامات المتعلقة بالمحافظة على حسن العلاقات بين الدولة المستضيفة والدول الأخرى.
ذلك أنه لا شيئ يمنع دولة الملجأ (المستضيفة) من أن تستقبل الأشخاص على أراضيها بما لها من حق السيادة، وبما يفرضه عليها القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، حيث إن استضافة اللاجئين يظل موضوعاً إنسانياً لا يثير أي مشكلة بين الدول، ولكن الدولة المستضيفة تصبح مسؤولة عن تصرفات اللاجئين، فيما لو قاموا بأعمال عدائية موجهة ضد دول أخرى وخاصة دولة الاضطهاد.
ولذلك فإن الاتفاقيات الخاصة باللاجئين تفرض على دولة الملجأ وضع قيود على اللاجئين لديها لمنعهم من ممارسة الأنشطة التي تهدد أنظمة الحكم في أي دولة ومن ضمنها بلد الاضطهاد، وهنا يتساءل البعض:
هل يُمنع اللاجئ من ممارسة جميع الأنشطة السياسية؟
لقد فرّق القانون الدولي بين نوعين من الأنشطة:
1) أنشطة سياسية بحتة، فيلتزم اللاجئ بعدم القيام بها كالجمعيات والتنظيمات الموجهة بنشاطها ضد دولة الأصل (الاضطهاد) أو أي دولة أخرى، مثل الخطابات والتهجمات الإعلامية والتدريبات العسكرية والإمدادات المالية لتيار المعارضة داخل بلد الأصل.
2) أنشطة إنسانية: وهي تتعلق بحقوق الإنسان المعترف عليها دوليا كالتجمعات السلمية والتنظيمات السياسية التي تمارس أنشطةً ذات أهداف اجتماعية واقتصادية وتقافية ودينية خاصة باللاجئين، ويُسمح للّاجئين بممارسة تلك النشاطات ضمن الحدود القانونية في بلد الملجأ وغيرها. كحالة اشتراط بلد الملجأ الحصول على ترخيص بالخروج بمظاهرة سلمية ضد نظام الحكم في بلد الاضطهاد، فيجب تحقيق الشرط وإلا تعتبر المظاهرة غير قانونية.
وبشكل عام تعتبر إقامة اللاجئ في بلد الملجأ مؤقتة، وبالتالي فعليه احترام قوانين وأنظمة هذا البلد وسلامته وأمنه العام، والمحافظة من خلال ذلك على حالة اللجوء كحالة إنسانية بحتة، دون أن يكون سبباً في الإساءة والإضرار للبلد الذي احتضنه ووفر له الحماية من بلده الذي رمى به على قارعة المنافي.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية