يحكى إن فأراً دخل رأس القرع من ثقب صغير وأكل من الداخل حتى انتفخ وبات عاجزاً عن الخروج من ذات الثقب، وتلك هي قصة إيران والأمريكيين الذين أتاحوا لها ظروف التمدّد خصوصا بعد 2003 وسقوط صدّام... فكيف سيتم إخراجه؟.
منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران 2015 وحتى وقف العمل بالاتفاق 2018، كانت إيران تجني ما يقدر بنحو 50 مليار دولار سنويا من عائدات النفط، على اعتبار أنها تبيع 2.5 مليون برميل يوميا، كان يمكن لهذا المال أن يصنع فرقاً في تركيبة الدّولة وأن يتضاعف وينعكس على مكانتها الدولية في الصناعة والتكنولوجيا.
إذن توقف كل هذا المال وغيره بعد القرار الأمريكي الأخير بانتهاء فترة السماح لثمان دول بينها الصين والهند وتركيا، وكان واضحاً هذا التوجه في قول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو "سنصل إلى الصفر مع الجميع"، وتشمل العقوبات منع إيران من تحويلات "سويفت"، وبذلك لن يعود كافيا حذف 3 أصفار من "التومان"، ولا حتى ثقب باخرة هنا أو تشغيل طائرة "درون" مفخخة هناك.
في المشهد هناك دولة يزيد تعداد سكانها على 82 مليون نسمة، وهي من الدول ذات النمو السكاني المرتفع وتسجل فيها ولادة نحو مليون طفل سنوياً، وأما انكماش الاقتصاد بمعدل نحو 3% هذا العام و6% متوقعة للعام القادم، فهذا يعني أن هذا البلد محكوم بحدث كبير لإصلاح الخلل.
ابتداء من 1989 وإيران تضاعف عداواتها عاماً بعام، وبدل السجّاد العريق والفستق والموسيقى والزعفران التي اشتهرت بها سابقاً، بتنا نسمع أكثر عن الحرس الثوري والخميني وخامنئي وسليماني وعشرات الأسماء من الجنرالات والعمائم التي أصبحت صورتها أكبر من بلدها وحضارتها.
التفكير بأسباب الخلل في إيران يقود إلى معادلة واضحة، دولة طامحة لنفوذ أكبر من حدودها وبطريقة تهدد أمن المنطقة واقتصاد العالم.
ليس القصة محصورة في الملف النووي، والّذين كتبوا القصائد في وزير الخارجية جواد ظريف بطل مفاوضات النووي، هم نفسهم الذين استبعدوه من لقاء المرشد خامنئي مع وكيلهم بشار الأسد ليرمي استقالته أمامهم فيرفضونها، القصّة هي أن إيران ومهندسيها السياسيين والنوويين والمخابراتيين يعتقدون أن بإمكانهم في هذه الفترة إعادة مجد فارس وهم ليسوا ورثتها أصلاً عبر تهديد مصالح العالم الاقتصادية ومجموعات وحشود مؤدلجة دينياً، ولا تفرّق بين الناقة والجمل.
كان مسموحا لإيران أن تعمل شرطيّا على أحد الإشارات الطّرقية أو المفاصل للخليج لو أنها اكتفت بذلك، لكن أن تسيطر على أمن الشرق الأوسط فتلك خطوة لم تحسب الرؤوس الحامية أنها تثير مخاف الكثيرين، وتتعارض في أحسن الأحوال مع نظرية "الاحتواء المزدوج".
ومضاعفة عدد الأعداء يعني بالنتيجة تأسيساً لتقويض الحكم في إيران، فحتى لو تم استئصال حزب الله في لبنان، وسحب الميليشيات من سوريا، وإنهاء تمرّد الحوثيين، فإن الحاجة ملحّة لتغيير المنهج، بحرب وبدون حرب.
لا أحد عاقل يصدّق أن أميركا ترامب ستحارب إيران بطائراتها وأساطيلها وجنودها، لكن الجميع يدرك أن إيران بمفهوم الدّولة البلطجية لم تعد مقبولة، وباتت خطراً حتّى على مواطنيها ومشايعيها.
ما الذي يغري الصين أو الهند أو فرنسا مثلا، أن تضمن وجود نظام مستقر يؤمن إمدادات نفط دون إشعال حروب، أم نظاماً دينياً يدعم حركات تمرّد ويرسل آلاف المقاتلين إلى دول أخرى، ويسعى لفتح أفريقيا بالمخدّرات والمبشّرين الدينيين.
تمرّ المنطقة بمكابرة عجيبة على ضرورات التغيير، وهي ستنتهي حكماً بتقويض حكم الملالي، وسبب الاستعصاء والمكابرة أن الأمريكيين أنفسهم سمحوا لإيران بالتمدّد، ثم "شيئاً فشيئاً تحوّل الصّوف إلى سجادة" كما يقول المثل الفارسي، وها نحن نبحث عن وسيلة نخرج فيها الفأر من رأس القرع، فلا إيران قادرة على حكم المنطقة، ولا المنطقة تقبل بهذا الحكم، ولا الحرب نافعة ولا السلام قائم.
همسة في أذنك عزيز القارئ: وأنت تفكر بالحرب ومصالح دول المنطقة تذكر بعد كلّ تصريح ناري لـ ترامب أنه يزيد في عدد الوظائف للأمريكيين، وبعد كل خسارة إيرانية في سوريا أن هناك بوتين وموسكو وعقود بيع وشراء ومياه دافئة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية