أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صيام الأطفال السوريين في أوروبا.. بين العادات والدين والقانون

أرشيف

أثار تصريح وزيرة العدل في ولاية "هيسين" الألمانية حول صيام الأطفال المسلمين الكثير من الاستياء في أوساط المسلمين وخصوصا اللاجئين السوريين في ألمانيا، وذلك بعد أن دعت الوزيرة "ايفا كونيه هيرمان" في حديث لها مع صحيفة "بيلد" الألمانية إلى معاقبة الأهالي الذين يجبرون أطفالهم الصغار في المدارس على الصيام، معتبرة ذلك أي الوزيرة أن هذا يدخل في إطار التعصب الديني.


وقالت للصحيفة إنها تؤيد معاقبة الأهالي الذين يجبرون أطفالهم على الصيام في ألمانيا معتبرة "إن من يدفع الأطفال الصغار إلى الصيام في رمضان، يمارس ضغطا خطيرا على صحتهم". ويمكن أن تصل عقوبة هؤلاء الأهالي إلى 3 سنوات سجن.


وفي استطلاع "زمان الوصل" آراء بعض اللاجئين السوريين في ألمانيا حول ما قالته الوزيرة، رأى "علاء" أن تصريح الوزيرة مغاير للحقيقة، قائلا إنه تفاجأ برغبة أطفاله 8 و9 سنوات بالصيام، فهم من طلبوا منه ذلك لتجربة الصيام كالكبار وأنهم لا يصومون كل يوم وأحيانا يقطعون صيامهم ويأكلون عندما يشعرون بالتعب أو الجوع والعطش.


واعتبر أن تصريح الوزيرة كذلك هو تدخل في الحريات الدينية التي كفلها الدستور الألماني للجميع، مضيفا "نحن نريد الاندماج في المجتمع واحترام كافة الديانات، لكن بالمقابل يجب أن يكون لنا الحرية الكاملة في تعليم أطفالنا تعاليم الدين الإسلامي بعيدا عن الجبر والإكراه.


أما عامر وهو أيضا لاجئ سوري في ألمانيا، قال إن ابنته التي تبلغ من العمر 11 عاما تصوم أيضا مع زميلاتها السوريات في المدرسة دون أن يجبرها على ذلك، وأن ذلك نابع من رغبتها.


وأضاف "لا أعتقد أن أحدا يجبر الأطفال على الصيام فهذا أمر مرفوض، وإنما يوجد تشجيع وتحفيز لذلك لكي يتعود الأطفال على الصيام عندما يكبرون".


وهذا ما أكده الشيخ "عبد الرحمن الحوت" مدير "المنتدى الإسلامي في ألمانيا"، موضحا رأي الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع قائلا إن الإسلام جعل مناط التكليف في مسألة الصيام هو البلوغ بالنسبة للذكر والأنثى، لكن الله أوجبه على من يطيقه ويحتمله، فإذا كان هذا الطفل البالغ أو البالغة غير مطيق للصيام ولا يستطيعه بسبب ضعف جسمه أو طول ساعات الصيام في أوروبا والتزامه بدوام مدرسي فإنه يجوز له أن يفطر على أن يقضي في أيام أُخر.


وأضاف "الحوت" أنه ليس من هدي الإسلام أبداً الإجبار والإكراه والأمر سواء مع الكبار والصغار بل مع الأطفال أولى، كما أن إكراه أحد الأبوين لولدهما قد يدفعه للأكل والشرب سراً وهذا غير محمود على الإطلاق.


واستطرد قائلا إن من واجب الأبوين تشجيع أولادهم على العبادة وتعويدهم عليها لا إكراههم وإلزامهم. ومن الجهة المقابلة فإنه غير مقبول منعهم من الصيام إذا كان ذلك بملء إرادتهم وكان جسمهم يقوى على الصيام، لأن المنع يساوي الإكراه ويقابله.


بدوره وصف رئيس مبادرة مسلمي النمسا الدكتور "طرفة بغجاتي" في حديث خاص لـ"زمان الوصل" تصريح الوزيرة الألمانية بأنه "متعالٍ ومتعجرف"، مؤكدا أنه مرفوض جملة وتفصيلاً لأسباب عدة بينها قائلا إن أحدا لا يستطيع إثبات موضوع الإجبار في الصيام فتحويل الموضوع من أمر ديني وثقافي واجتماعي إلى أمر قضائي فيه عقوبة ردعٍ لا يفيد أحدا بشيء وليس فيه أي حماية للطفل.


واعتبر أنه من المعروف أن غالبية أطفال المسلمين إذا صاموا فيكون هذا عن طواعية ورضى، لافتا إلى أن حق تربية الطفل بما فيه التربية الدينية يعتبر هنا في أوروبا من حقوق الإنسان وهو تابع للأهل حصراً وهذا تقرره القوانين العالمية ايضاً عبر مواثيق الأمم المتحدة المختصة بالطفولة و حمايتها، هذا من الجهة القانونية و السياسية.


أما من الناحية العملية والدينية والاجتماعية أوضح "بغجاتي" قائلا "يجب أن نعترف بأن في أوربا مشاكل كثيرة مع الأهل ومع التلاميذ فيما يتعلق بالصيام، فكثيرا ما تأتينا الشكاوى بأن هناك أطفالا صغارا أجسامهم صغيرة يصومون في الأيام الطويلة ونومهم قليل مما يجعل أداءهم المدرسي ضعيفاً جداً وعندما يتحدث معهم الكادر التعليمي يقولون لأننا صائمون. ففي هذا إساءة ما بعدها إساءة للدين والصيام وسمعتنا كمسلمين، لذلك نقول إن كل ما يؤثر على الأداء المدرسي سلبياً هو عذر شرعي للإفطار عند الشباب أما الصغار فالأفضل أن لا يصوموا خلال أيام المدرسة، إنما فقط أثناء عطلة الأسبوع ومن أراد أن يحببهم بالصيام من الأهل فهذا جميل، ليصوموا بعد العودة من المدرسة وتناول الغداء إلى المغرب ويفطروا مع أهلهم، يعني قريباً مما نسميه (درجات المأذنة) في بلادنا".


وحول تدخل إدارة المدارس بموضوع صيام الأطفال قال "بغجاتي" إن القوانين الأوروبية تمنح المدرسة وطاقم التعليم المسؤولية القانونية عن صحة الطفل وسلامته فإذا رأوا أن طفلا، مسلما، مصفر الوجه قريبا من المرض أو الإغماء قبل امتحان أو في درس الرياضة مثلا. فهم ملزمون قانوناً بالانتباه عليه ومطالبته بالإفطار، وإذا رفض فإنهم مجبورون على الاتصال بالإسعاف.


وطالب "بغجاتي" الأهالي بأن يتفهموا الوضع القانوني لأطفالهم بالمدراس، ناصحا بشرح الأمر للأطفال على مبدأ أن الدين يسر وأن التشدد بتطبيقه يضرهم ويضر الدين نفسه.


وفي سياق متصل قال "مرهف دويدري"، وهو صحفي سوري مقيم في السويد التي يتواجد فيها الكثير من اللاجئين السوريين المسلمين في حديث خاص لـ"زمان الوصل" إن موضوع صيام الأطفال هو إشكالية كبيرة بين تعاليم الدين والقوانين في المدارس، فالمدارس ترى أن امتناع الطفل عن شرب الماء وتناول وجبات الطعام في المدرسة سيؤثر على تركيزه في تحصيل الدراسة لذلك تعمل المدارس على التواصل مع أهالي الطلاب لشرح وجهة نظر المدرسة من موضوع الصيام كي لا يكون هناك فهم خاطىء أن المدارس تمنع المسلمين من الصيام وبطبيعة الحال هناك بعض المدارس الحكومية لا تمنع بشكل نهائي وإنما توصي بعدم الصيام للأطفال ما دون سن ال 12 عاما وهنا يعود التقدير للأهل.


أما الدكتور والباحث في الدراسات الاجتماعية والإسلامية حسام الدين درويش فيرى أن تناول موضوع صيام الأطفال في أوروبا يجب أن يتم من زوايا قانونية وأخلاقية وإدارية، وليس فقط من زاوية إيديولوجية ودينية ضيقة أو ذاتية تخضع لتقديرات الأشخاص، فمن الناحية القانونية الدول الأوروبية هي دول علمانية، وهذا يعني وجوب عدم تدخل الدولة في الحريات والشؤون الدينية للأفراد، فالأهل لهم الحق في تقرير صيام الطفل من عدمه، إلا أن هذه الحرية بحسب "درويش" مقيدة بحدود عدم إلحاق الضرر والأذى بالطفل ومراعاة مصلحته.


أما الناحية الإدارية فتكمن في ضرورة توضيح المدرسة ونقاشها مع الأهل بأن الطفل غير قادر على الصيام بسبب قيامه ببعض الواجبات المدرسية التي تتطلب منه جهدا بدنيا أو عقليا.

عروة سوسي ـ زمان الوصل
(197)    هل أعجبتك المقالة (226)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي