كثيرة هي أوجه الشبه بين الإجراءات الأمريكية التي أسفرت في النهاية عن غزو العراق وبين الإجراءات التي بدأت واشنطن منذ عام باتخاذها ضد إيران، فالتصعيد السياسي قائم، تسير على التوازي منه عقوبات اقتصادية أوصلت الصادرات النفطية إلى الصفر مع عقوبات أخرى طالت قطاع التعدين، أما عسكريا، فوضع الحرس الثوري على قوائم الإرهاب وتم التلويح بتقديم دعم مفتوح للمعارضة الإيرانية مع الإشارة إلى إمكانية تبني مطالب القوميات مثل البلوش والأكراد وربما العرب، أما الأساطيل فوصلت البحر والتحالف الدولي "جاهز".
فارق وحيد يجعل كل ما سبق غير ذي قيمة، وهو عدم توفر الرغبة في ضرب إيران مثلما كانت متوفرة وبشراسة لتدمير العراق وتمزيق بناه الاقتصادية والمجتمعية، فإدارة جورج بوش الابن وفريق المحافظين الجدد في حينه كانوا يبحثون عن أي مبرر مهما بلغ من السخف لتسويق وتسويغ استهداف العراق، وهذا ما كشفت عنه قبل سنوات "سوزان لينداور" ضابط الارتباط في الاستخبارات الأمريكية، وأكدت في حينه أن العراق قدم كل ما ينبغي عليه تقديمه لاسيما في ملف الإرهاب والتعاون مع الأجهزة الأمريكية بعد هجوم 11 أيلول/ سبتمبر، بينما نجد في تعامل مع واشنطن مع طهران ما يمكن وصفه بـ "الاستجداء" لإعادة المفاوض الإيراني إلى الطاولة وبحث كل ملفات المنطقة وليس النووي فحسب، وربما في هذا السياق يأتي ما سربته الإدارة الأمريكية لصحيفة نيويورك تايمز من أنها بصدد مراجعة خططها باتجاه ايران "وتتضمن إرسال ما يقرب من 120 ألف جندي إلى الشرق الأوسط، وهو ما يعادل حجم القوات الأميركية التي شاركت في حرب العراق عام 2003 في حال أقدمت إيران على مهاجمة القوات الأميركية أو سرعت العمل في صنع أسلحة نووية".
تعي واشنطن أن إيران أذكى من أن تهاجم القوات الأمريكية، ولديها من الواقعية السياسية ما يدفعها للعودة للمفاوضات بقدر ما لدى "ساسة عرب" من أوهام وأحلام.
"اللارغبة" الأمريكية بإنهاء إيران صوتها أقوى من صوت طبول الحرب، فالسماء صافية والعصافير تزقزق في المسافة التي لا يتجاوز طولها "رمية حجر" والفاصلة بين القوات الأمريكية في منطقة التنف في البادية السورية وبين "شقيقتها في الاحتلال" ميليشيات الحرس الثوري وذيوله من ميليشات الحشد الشيعي في الميادين والبوكمال وأجزاء من مدينة دير الزور التي باتت تخضع لإدارة إيرانية مباشرة تمتد جغرافيا عبر العراق وصولا للداخل الإيراني.
الضغط العسكري الأمريكي، بلا شك، ليس مجرد مسرحية، لكنه لا يهدف أيضا لتكرار تجربة العراق ولا حتى لتوجيه ضربات عسكرية صاروخية ضد إيران، فترامب ليس رجل حرب، بل "تاجر" شره يعرف من أين تؤكل الكتف، والرأس أيضا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية